بقلم - سمير عطا الله
بالنسبة إليَّ، كان الجنرال شارل ديغول، أفضل زعيم في الغرب، والسبب تميزه الأخلاقي، والسياسي والشخصي. وبالنسبة إلينا كعرب، لا ننسى وقوفه ضد المتطرفين في الجزائر، وضد إسرائيل عام 67، ومع القضية الفلسطينية. أما بالنسبة إلينا في لبنان، فقد حال دوره دون هدر الدماء في طلب الاستقلال، وظل مؤيداً لنا ضد الاعتداءات الإسرائيلية.
كان ديغول، قبل كل شيء، رجلاً عائلياً، أباً وجداً. وأجمل صفحة كانت علاقته بابنته آن، التي ولدت معاقة عام 1928. في تلك المرحلة، كان شائعاً في فرنسا أن يُرسَل الأطفال المختلفون إلى المستشفيات المؤهلة للعناية بهم. لكن ديغول رفض «إرسالها إلى العيش مع الغرباء. لقد أعطانا الله إياها وحمّلنا مسؤوليتها، أينما كانت ومهما كانت». ثم راح ديغول وزوجته يتعلمان كيفية العناية بالطفلة، محاولَين بالدرجة الأولى، ألا تشعر بأي فرق بينها وبين أخويها.
لذلك، كان الضابط العملاق يُشاهَد داباً على الأرض لإضحاكها. بل ترك لها أن تلعب بقبعته، رمز الشرف العسكري. وقبل النوم كان يعلمها كيف تردد من بعده الدعوات. ورغم أن العائلة حرصت كثيراً على عدم الظهور اجتماعياً، ففي المناسبات كانت تأخذ آن معها دائماً.
شمل ذلك الأماكن التي كانت فيها النظرة إلى الأطفال المختلفين، متخلفة وهمجية مثل سوريا ولبنان، إلى حيث أبعد ديغول عام 1929، بسبب غيرة الضباط الكبار وحسدهم من ألمعيّته ورؤيته. كان يصرّ على أن حرباً عالمية ثانية على الأبواب، وكانوا يصرّون على الجهل.
كان راتب ديغول محدوداً. لكن قسماً منه كان يُصرف للعناية بالابنة آن. وبعد الاحتلال النازي، بدأ الألمان في فصل الأبناء المختلفين عن والديهم. ودافع ديغول عن ابنته كما دافع عن فرنسا. توفيت آن عام 1949 عن عمر مبكر ودُفنت في حديقة المنزل القروي. لكن ديغول كان قد جمع عام 1945 من التبرعات ما يكفي لشراء قصر «فيركور» قرب باريس، لإقامة «مؤسسة آن ديغول» للمختلفين، التي لا تزال قائمة إلى الآن من خلال مداخيل ديغول ومؤلفاته.
وكتب جان لاكوتور، أشهر مؤرخي ديغول، أن ابنته كانت الحافز وراء كل أعماله. بسببها عمل على إنقاذ فرنسا، لكنه لم يستطع أن يفعل من أجلها سوى حفظ كرامتها الإنسانية.
* أتمنى استخدام مصطلح «المختلفين» بدل «المعاقين» و«ذوي الحاجات الخاصة».
إلى اللقاء..
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع