توقيت القاهرة المحلي 21:08:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاقتلاع

  مصر اليوم -

الاقتلاع

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

كان الإسرائيليون سادة الإعلام في العالم، يتقدمون العرب بمسافات لا تحسب. وخلال هزيمة 1967 جعلوا منا مسخرة المساخر في الغرب. وبعد صورة الضعيف المهزوم، أقاموا للعربي صورة الإرهابي المتوحش. وبدا العرب في حلبة الدعاية والإعلام مهزومين سلفاً، ومما فيه أننا ساهمنا أحياناً في ترسيخ تلك الصورة وتأكيدها من خلال جهلة أو مريبين.

المرة الوحيدة التي خسر فيها الإسرائيليون معركة الإعلام سلفاً، كانت في غزة. بدا الإسرائيلي أولاً، خاسراً ومنكسراً ويمكن هزيمته، ثم ظهر في صورة متوحش لا يتوقف عن قصف النساء والأطفال، وتشريد ملايين البشر، وتجويعهم، واحتقار القوانين والمعايير الدولية، وإبادة نظم الإنقاذ، والعلاج، والصرف الصحي، ومواجهة الأمراض والأوبئة.

أقامت إسرائيل، دون انقطاع، جحيماً لم تشهده الإنسانية من قبل. وأصبح مستحيلاً عليها الدفاع عما تفعل. وبعد شهرين من المجازر تحاول الآلة استعادة عملها السابق ودورها، لكن كل شيء يبكي مضحكاً في غابة من العويل. يكتب كتّاب وصحافيو الحركة الصهيونية عن فظاعات وحالات فردية، مقابل الآلاف الذين يشردون ويُقتلون كل يوم. لا كلام يصف الوحشية الإسرائيلية، ولا كلام يمكن أن يصف الإصابات والمصاب الفلسطيني وجنون الجلاد الإسرائيلي.

هذه المرة كان من الأفضل للدعاية الإسرائيلية أن تختبئ. كل شيء بدا هزيلاً، أما جرائمها الكبرى. حكايات مصوغة على الطريقة القديمة، صادق أو مركّب، لا يمكن أن تساوي مشهداً من 50 ثانية من سقوط مبنى، أو اثنين، أو شارع، أو حي، أو مدينة. يزيد في فظاعة المدن المدمرة الإعلان عن «الجسر الجوي» الأميركي الذي يرافق طائرات الدكّ. أو شكوى إسرائيل من انحياز الأمم المتحدة إلى جانب أهل غزة. تصوَّر أن إسرائيل هي التي تشكو! وتصوَّر ممن؟!

أبلغتني إدارة الفندق حيث أسكن، أنَّ عليَّ أن أنتقل من غرفة إلى غرفة. وهذا يعني أن أوضب، ثم أفكك، أمتعتي وكتبي. وهذا عمل شاق بالنسبة إليَّ، لكنني اكتشفت أن الأقسى في المسألة هو فكرة الاقتلاع. والأكثر قسوة هو تدخل عنصر غريب في حياتك وبرنامجك رغماً عنك. وكل هذه الكآبة وهذا الغضب والشعور بالاقتلاع بسبب الانتقال من غرفة إلى غرفة، وبكل احترام، وبمساعدة الجميع، وباعتذار الجميع.

يحتقر الإنسان نفسه وهو يشاهد كيف يُقتلع الغزيون من بيوتهم إلى الشوارع، ومن الشمال إلى الجنوب، ومن البؤس إلى الموت.

نحو مليوني بشري، على الأقل، اقتُلعوا عنوة ورُموا في العراء، لكن ما أسرع ما أقمنا لهم مخيمات، نحن آفة المخيمات السريعة. كل كارثة ومصيبة لها مخيم. دائماً مخيم مؤقت. ثم يصبح دائماً. ثم يصبح المخيم هو الوطن، في انتظار مخيم جديد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاقتلاع الاقتلاع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon