بقلم : سمير عطا الله
يقول أبو نبيل (اسم تمويهي لا وجود له في سجل النفوس)، ضاحكاً كالعادة في صخب وصوت عال: كم تعتقد ثمن هذا القميص؟ ثلث تكلفة قميصك. تزوير ممتاز أكابري، صناعة برج حمود. باب أول.
ثم يستدرك ويشير إلى داخل قبة القميص ويفقع ضاحكاً: اقرأ، رجاء اسم الماركة. عمنا ديور. والكلفة ضمن ثمن القميص في موسم التنزيلات. أيضاً طباعة برج حمود ومنسوخة عن عمنا ديور شخصياً. كل شيء آخر تعب قلب وكلفة عالفاضي! يضحك أبو نبيل عالياً حتى يسمعه جميع أهل المقهى.
ثم يقول ضاحكاً: بماذا تذكّرك برج حمود؟ أبتسم ولا أجيب. لكنه ليس في حاجة إلى إجابتي: جماعتكم الكتّاب شو بيعملوا؟ نقل وتفنيص. قالت مصادر موثوقة، وقالت مصادر مطلعة. برج حمود كتابي، قال برنارد شو وقال جان سارتر. وما حدا قال وما حدا سمع. اطبع والحقني على برج حمود. ديور في انتظاركم جميعاً.
يضحك أبو نبيل عالياً. إنه يحدث الآخرين وليس أنا. ومتعة تقاعده من الصحافة هي «فضح» أسرار المهنة، مستعيناً بتجارب برج حمود حيث يقلد الأرمن البارعون كل شيء، من القمصان إلى اللوحات. وبالخط العربي إذا شئت. وعليها توقيع ديور. وصنع في فرنسا. أو في إيطاليا.
ويضحك أبو نبيل عالياً وهو يلاعب سيجارة غير مشتعلة: 40 سنة في مهنتكم. قال وأضاف وأكد. ومصادر مقربة. ومصدر رفض الكشف عن هويته. ليتني تركت هذه المهنة باكراً. أي مهنة أخرى كانت ستمكنني في تقاعدي أن أشتري ثيابي من «البلد» بدل برج حمود! يضحك صاخباً: شو بتشكي قمصان برج حمود؟ ديور ونص كمان.
ثم تهبط حيويته كمن تذكر شيئاً مؤلماً: لكن زحمة السير إلى برج حمود قاتلة. وسيارتي لم أغيرها منذ 15 عاماً. ما بين أقساط المدارس والجامعات انقطع الحيل والقدرة على التقسيط! وفجأة، ينتفض أبو نبيل كأنه ندم على السخرية من نفسه ومني ومن المهنة، ويقول: لكن ما العمل؟ لا شيء. هل قرأت كتاب بربارة غرين «تأخرت كثيراً على إمكان العودة»؟ هذا أنا. العمر من ورائكم وبرج حمود من أمامكم. عليك أن تختار بين قسط سيارة وقسط التأمين الطبي. هل تعرف ما هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن أشتريه من برج حمود؟ هدايا أحفادي. لا أريد أن يعتادوا شيئاً غير الحقيقة. وكلما جلست معهم أسخر أمامهم من مهنتنا هذه. وفي أي حال، عندما يكبرون تكون قد انتهت، ولم يعد أحد يعرف من هو جورج برنارد شو.
وبعد نوبات الضحك، انتابته فجأة موجة من الصمت. وفتقت السيجارة بين أصابعه.
نقلاً عن الشرق الآوسط