بقلم: سمير عطا الله
تمنع الكبرياء الباطلة الإنسان من الاعتراف بتفوّق سواه. وعندما أفكّر في مَن تأثّرت بهم من كتّاب الصحافة، أجدهم كثيرين، ناهيك بمن لم نعرف. وهناك كتّاب تأثّرنا بهم في البدايات، وتغيّر رأينا بهم مع النضوج. وآخرون كلما ازددنا نضوجاً ازددنا تقديراً لتجربتهم. من هؤلاء كان فرنسوا مورياك، صديق الجنرال ديغول، الذي كان ينشر مقاله الأسبوعي في «الفيغارو»، تحت عنوان «مفكّرة». فالمفكّرة تتّسع لكل أنواع الملاحظات والمواضيع، بما فيها الشخصية. وفي الآونة الأخيرة، لجأت إلى عنوان المفكّرة لكي أبرّر، مثلاً، الكتابة عن البرتغال، فيما بيروت تثور وبغداد تحترق. والقارئ لا يتوقّع منك أن تكتب له في موضوع واحد مهما كان مهماً، وإلا كنّا لا نزال منذ 2011 نكتب عن أحداث سوريا، ومنذ أربعين عاماً عن المصالحة الفلسطينية أو الفساد في لبنان.
كل يوم أقول في نفسي أريد أن أختم هذه «المفكّرة» عن الرياض لأن لا نهاية للمواضيع التي تفرض نفسها عليك. ولكن أين أختم؟ وكيف؟ هذه جريدة يقرأها العرب من جزر المالديف إلى شانغهاي. كيف نعرف اهتماماتهم؟ وماذا يحدث للكاتب إن أضاع البوصلة، أو إذا خربت وهو لم يدرك ذلك، فأخذ يدور في مكان واحد؟ أريد أن أختم مفكّرة الرياض قسراً لأن لا نهاية للجديد ولا للمدهش في هذه المدينة. هل تعرف شركة أخرى في العالم، حجمها تريليونات من الدولارات؟ أو هل تعرف ماذا يعني هذا الرقم؟ أنا لا أعرف.
سوف أختم المفكّرة بورقتين: طلبت موعداً من وزير الإعلام، الأستاذ تركي شبانة. أجاب بأن الطريق سوف تستغرق بعض الوقت، ولذلك سوف يمرّ بي لنذهب إلى العشاء عنده. منزله عبارة عن متحف للصوَر والذكريات. وقد دار الحديث طبعاً عن الصحافتين: الورقية والرقمية. الأولى همّ البقاء، والثانية همّ اللحاق. وأهمّ الهموم: كيف يقيم إعلاماً يجمع بين 1.600 مليار مسلم حول العالم؟ وأيضاً كيف تكون جزءاً طبيعياً من إعلام العالم؟ السعودية، يقول تركي شبانة، أمام أهم تحدٍّ إعلامي في تاريخها، رؤية يشرف عليها الأمير محمد بن سلمان بنفسه.
تريد صورة أخرى من الرياض اليوم؟ أوصلني السائق الذي خصصه لي منتدى الإعلام إلى الفندق. وقبل أن أترجل، قلت له: «في أي وقت تمرّ بي غداً؟». قال وطيبة تملأ وجهه البدوي: «غداً الجمعة. أولاً المسجد، وبعده الأولاد. هذا يوم عطلتهم، وأريد أن أكون معهم. أمّا إذا كان هناك أمر ضروري، فسوف أطلب من الوزارة أن يرسلوا لك سائقاً غير متزوّج». تحدّث السائق في طمأنينة عامل من النرويج أو الدنمارك: غداً يوم عطلة، وهو للعائلة. الأغلى من القناعة، هي الطمأنينة.