بقلم: سمير عطا الله
بَلَدان من أجمل بُلدان العالم، ومن أكثر شعوبه تطوراً. وأرضهما من أخصب بقاع الأرض. واحد في قلب الكرة والتاريخ والفلسفة، وواحد على أطرافها وفي قلب الحضارة الأوروبية. أين المشكلة بعد كل هذا؟ المشكلة، جنابك، أنهما يحبان الرقص والغناء وتكسير الصحون في آخر الليل.
وعن حق، فالأرجنتين بلاد «التانغو» أجمل الرقصات، واليونان بلاد «البوزوكي» أجمل الموسيقى. لذلك، درجت عادة السهر في الليل والنوم في النهار. وقد أخبرني سفير لبنان في أثينا مرة أن اليونانيين لا يحترمون أي قانون إلا قانون عدم الإزعاج وقت قيلولة بعد الظهر، وقانون الإعدام.
ولم يعد أحد يفاجأ عندما تعلو التحذيرات من أن الأرجنتين (أو اليونان) على شفير الإفلاس، إن لم يهبّ العالم لمساعدتها. وبالفعل، يهب العالم فترة بعد فترة، ثم يكتشف أن الأرجنتين تغني واليونان ترقص وألمانيا تتعرق وتساعد.
إنها مشكلة الطقس الجميل وحياة الهواء الطلق. النرويج الباردة لديها أهم صندوق سيادي في العالم: 1.2 تريليون دولار. ولا أدري كم تريليوناً بالعملة الوطنية. وإذا تذكرنا حكاية الصرار والنملة، للفرنسي لافونتين، تأكد لنا أن الصرار كائن صيفي مبذر، والنملة كائن شتوي يحمل الجنسية النرويجية. وقد سألت رجلاً اسكوتلندياً: لماذا تشيع سمعة البخل على مواطنيه؟ فقال إن الصيف في اسكوتلندا ثلاثة أشهر، والباقي ثلوج وهبوب، وهباب.
ترجم الفنان الضاحك فيلمون وهبه حكاية الصرار والنملة على طريقته في إحدى مسرحيات الرحابنة، إذ يسأل صديقه الكسول: «وين كنت يا جيز الحصايد؟»، أي يا صرار الحصاد. فيجيب هذا: «كنت عم غني قصايد». مذ كنت طفلاً وأنا أسمع عن متاعب الأرجنتين. وكان المهاجرون إليها من قريتي يعودون ليبيعوا أرزاقهم فيها. والآن، أسمع أن أحفادهم يبيعون ما تبقى. فتخيل أن اقتصاد قريتي أفضل من اقتصاد بوينس آيرس.
تحاذي الأرجنتين دولة صغيرة اسمها تشيلي، وتتمتع بأحد أفضل الاقتصادات في العالم. كيف؟ لا أدري. كل ما أعرفه أنها لا ترقص ولا تغني، إلا في العطلة.