بقلم : سمير عطا الله
ذات مرة كنت في نيويورك أقطع شوارعها مشياً كالعادة، عائداً إلى الفندق. وفجأة رأيت الشرطة أغلقت الشارع أمامي، وحوّلت الطريق، ثم الشارع الذي بعده، فالذي بعده... فالمدينة الهائلة. وسألت الشرطي عن السبب وإلى متى يستمر الإغلاق، فقال: الرئيس أوباما سوف يمرَّ من هنا بعد قليل، وبعدها ترفع الحواجز. فكّرت في نفسي يومها: أين أنت أيها الكيني المزواج حسين أوباما، تشاهد مدينة نيويورك مغلقة لأن ابنك ذاهب من هنا إلى إلقاء محاضرة؟ وتوعدت أوباما، وأنا أنوء بحمل كيس الكتب، بأنها مجرد سنوات قليلة ولا يعود رئيساً لأميركا، ويصبح في إمكان أي واحد منا أن يمرّ من هنا إلى جانبه، من دون أن تغلق في وجهه أي طريق، أو أن تبدو نيويورك في حالة حرب عالمية.
عندما يصبح الرئيس الأميركي سابقاً، يفقد تقريباً كل شيء، ويترك الحرس والخدم والأوامر خلفه في البيت الأبيض، كما تروي ميشيل أوباما في سيرتها. وهكذا، بدا موكب الرئيس السابق، أمس، وهو يتجه لتناول الغداء في مطعم «العنزة الذهبية»، في أعالي مدينة نيس. في المقدمة السيدة أوباما، بفستان حريري وحُر، وإلى جانبها المغني الآيرلندي بونو، مضيف العائلة في الجنوب الفرنسي، وخلفهما باراك بالثياب والقبعة الرياضية، والابنتان. كبرتا؛ ما شاء الله. ماذا عن الحماية؟ إنها تلك التي تعطى لأي رئيس أصبح سابقاً... بضعة رجال من الدرك الفرنسي، ورجلا أمن أميركيان. وماذا عن إغلاق الشوارع في وجه حاملي أكياس الكتب، وصفارات الإنذارات الهادرة، وسيارة الرئاسة المصفحة؟ إنها الآن عند الرئيس التالي. وسوف يتركها لمن بعده، ويساعد زوجته في غسل الصحون. تمنيت لو أستطيع الاقتراب من باراك لأخبره عما حدث في نيويورك، لكنه كان منهمكاً في شؤون العائلة، يتمتع بالطقس البديع في جنوب فرنسا، ويصغي إلى شرح فلسفة الطهي عند الفرنسيين، الذي يعدّونه فناً من الفنون، ويلقبون الطاهي بـ«الزعيم»، أو «الرئيس».
قالت العرب فيما قالت: «أعزب دهر، ولا أرمل شهر». وما أسعد المهن التي لا يحال فيها المرء إلى التقاعد، أو بالمصري القاسي: «المعاش»، بمعنى شيء يتعيش منه. لكن لا خوف على المستر والمسز أوباما. كتبهما تدر ملايين الدولارات. وها هما يمشيان في بلدة «إيز» مثلنا جميعاً... المسز أوباما بثوب برتقالي اللون وفيه صيف كثير عند الكتفين.