بقلم : سمير عطا الله
كان اسم سامي الخطيب يخيفنا. وفي أحسن الحالات، يقلقنا أو يزعجنا. هو كان في المكتب الثاني (المخابرات) وسلطة فؤاد شهاب، ونحن كنا في «النهار» والحريات ومحاربة المكتب الثاني وفؤاد شهاب. هو، ورفاقه الضباط، كانوا يخيفوننا. لكننا ننتقدهم ونخاف. وكنا نحكي عليهم ونخاف. وكانت مجالسنا في المقاهي عن ظلمهم وتجبرهم وعدائهم للحريات. وكنا نتجنبهم، هم ورجالهم ومخبريهم وعسس الليل.
انتهت الشهابية، ومات فؤاد شهاب، وتشتت ضباط المكتب الثاني في العالم، ولم يتصل بي بعد أحد ليعاتبني على شيء. وصار اللواء ووزير الداخلية المرعب سامي الخطيب واحداً من حلقة الأصدقاء الدائمين. وكنت أعاتبه: أإلى هذه الدرجة لم تكن كتاباتي مهمة عندكم؟ لا تليفون، لا عتاب، لا تنبيه، ولا حتى السلام عليكم؟
وكان يضحك. وإذا ألححت يضحك أكثر. وصار جميع ضباط المكتب الثاني أصدقاء ورفاقاً. ولم نعد نعرف كيف نعتذر من فؤاد شهاب ومرحلته ومدرسته. وقد شرفتني مؤسسة فؤاد شهاب عندما دعت السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسبكين للحديث عن تاريخ ومستقبل العلاقات الروسية العربية الشهر المقبل، واختارت أن أكون أنا من يحاوره.
هذا حكم بالبراءة على الذين أساءوا فهم الشهابية. ويؤسفني رحيل «أبو بديع» قبل أن يحضر الندوة. ويؤسفني رحيله في كل حال. فالضابط المرعب كان صديقاً ظريفاً وطيباً. وكان درعاً في الصداقات، لا ينم ولا يستغيب ولا يفرط في موداته. وعندما أصدر مذكراته تدافع الناس يبحثون عن أسرارهم وأسرار خصومهم. لكن سامي الخطيب لم يتعرض لمخلوق، ولم يستغل شرفاً، ولم يثأر في انتقام. وغاب قبله رئيسه الجنرال غابي لحود من دون أن يتلفظ باسم أو خبر جارح. وكنت أقول له دائماً لماذا لا تكتب مذكراتك؟ فكان يجيب، لأنها ليست ملكاً لي.
سامي الخطيب كان الأكثر «اجتماعياً» بين المرعبين، وربما أيضاً الأكثر مودة. وكنت أقول له ضاحكاً: الذي جعلك وزير داخلية لا يعرف الناس. كان يجب أن تكون وزير خارجية وصانع دبلوماسيات ومصالحات وكاتب خطابات لا ترضي أحداً ولا تزعل أحداً لكنها تعجب الجميع.
كان أبو بديع (ورفاقه) مثال الضابط النظامي الأنيق والجنتلمان بكامل المواصفات، وبينها لعبة الغولف. وكان أباً طيباً وصديقاً يُفتقد حياً وغائباً.