بقلم : سمير عطا الله
كنا على موعد مساء الأربعاء مع إفطار أقامه في جدة وزير الإعلام الأستاذ تركي شبانة لنحو 400 صحافي جاءوا لتغطية قمم مكة الثلاث. ووفقاً لحساباتي وموعد إقلاع الطائرة من بيروت واحتساب تأخير هنا، وحقيبة متأخرة هناك، قدّرت أنني سوف أكون على الموعد.
قبل جدة بنحو أربعين دقيقة بدأت أرى من النافذة بحاراً من الغيوم البيضاء، وهذه لا تقلق كثيراً في عالم المطبّات. وقلت في نفسي ما أن نصل جدة حتى تنقشع. فالغيوم والضباب لمدينة تدعى لندن وليس لعروس البحر الأحمر ومينائها. لكن كلما اقتربنا من جدة، كانت الغيوم تسودّ وتتلبد. وما لبث قبطان الطائرة أن أبلغنا أن مطار جدة مغلق بسبب الضباب.
وإفطار الوزير شبانة؟ سألت المضيف أين سنهبط في هذه الحال؟ فقال في ينبع. لكن قبل ذلك سوف نظل نحلق فوق جدة فلعلها تفرج وتنفرج. ومن حسن الحظ أن طائرة الإيرباص حديثة ومفتخرة، فأخذنا نحلّق فوق جدة ولا نرى منها شيئا. واللعنة على الوسواس الخناس، فقد تساءلت، ألا يمكن أن الطيار أخطأ، وهذه لندن مدينة الضباب؟
وبعد نحو ساعة راح ضباب جدة ينقشع، وشعرنا بتغيير سرعة الهبوط. وكان هادئاً، بعكس التوقعات. وجدة في المساء أضواء لا نهاية لها. وطرقها الآن، مثل الدستور الأميركي، تعديلات في كل مكان. لكن الذين وفدوا لحضور أو تغطية، أو المشاركة في القمة، لم تكن الورشة العمرانية هي الأهم بالنسبة إليهم.
كان هناك حدث إسلامي لا سابق له في طرح القضايا التي تواجه الإسلام والعالم. «وثيقة مكّة» لم تكتفِ، كعادة المؤتمرات، بعرض القضايا، بل قضت في إصلاحها: لا بدَّ من إرساء قيم التعايش بين الأديان والثقافات والمذاهب ضمن الإسلام، ورفض امتهان المرأة، وتأكيد حقوقها الدينية والاجتماعية والسياسية.
الوثيقة شرعة غابت عنها وعن روحها وأهدافها، إيران وتركيا. فمستشار الرئيس التركي ياسين أكتاي استبق القمة بمقال أعلن فيه أن ثروات المملكة هي لجميع المسلمين. صحيح. ونسي أن يضيف أن الجزء الأكبر منها يجب أن يذهب إلى إردوغان ليصرف ما تبقى منه في محاولة تقسيم سوريا والعراق، وذبح الأكراد الذين لم يتبلغ بعد أنهم مسلمون.
أضاءت قمم مكة -من دون أن تذكر ذلك- على العزلة الكبرى التي انزوت بها تركيا الإردوغانية وإيران. وثيقة تدعو إلى السلم في كل مكان وهناك دولتان تشعلان الحروب في كل مكان، بالواسطة والمباشرة ولغة التحريض وإثارة المذهبيات والإثنيات والسموم العرقية المتخلفة.
إلى اللقاء...