بقلم : سمير عطا الله
بعيد انتهاء الحرب الكورية في العام 1960، كان دخل الفرد في كوريا الجنوبية 75 دولاراً. اليوم يحتل اقتصادها المرتبة الحادية عشرة في العالم، والرابعة في آسيا. قبل فترة كنت أراجع، بمحض المصادفة، مؤشرات التعليم الأخيرة. وكنت أعتقد باليقين أن سنغافورة تحتل المرتبة الأولى كالعادة، أو بالأحرى المراتب الأولى جميعها. وفوجئت بأن كوريا الجنوبية أزاحتها إلى المرتبة الثانية في كل شيء. حتى في معدل الذكاء بين الطلاب. وجميعهم آسيويون، في أي حال.
تبدو آسيا شريكة طبيعية في «رؤية 2030» التي يسعى الأمير محمد بن سلمان إلى تمكينها في جميع السبل، غير أن زيارته إلى سيول اتخذت رونقاً خاصاً بسبب حكايتها، أو بالأحرى ملحمتها مع النجاح. أوائل الثمانينات كتب فرنسيس بيم، وزير مارغريت ثاتشر، أن على الغرب أن يستعد ليقظة العملاق الآسيوي. وعشية مؤتمر العشرين في أوساكا تبدو الصورة الآسيوية مذهلة من سيول إلى طوكيو، ناهيك بالأسطورة الصينية. وكلما تحدثت عن الصين، أتلقى رسائل اعتراض وكأنني وكيل الدعاية الخارجية في بكين. يا سيدي، أنا مع النجاح في كل مكان. والصين حضارة غريبة عليّ وعلى عالمي، حتى أبناؤنا لن يلحقوا التكيف معها. لكن ما ذنبي إذا أصبحت الصين الاقتصاد الثاني في العالم، وهي ترفع العلم الشيوعي؟ ففي المقابل شيوعي حليق ما يزال كل يوم، يطيِّر الصواريخ وكأنه «يكش» الحمام. إنه جار كوريا الجنوبية وشقيقها أيضاً. ولا تزال جامعاته تدرّس أفكار جده «المبجل» كيم إيل سونغ، بينما جامعات الجنوب الأولى في علوم الحاسب والتقنيّة.
شمال يثير الرعب، وجنوب يثير الإعجاب. والشيوعية في الصين جالسة على الحياد تتفرج على مشهد سريالي مثل لوحات بيكاسو، العين في الفم والأذن في الركبة. وعندما تقرأ المؤشرات الدولية من جديد، سوف تدرك السبب؛ نظم التعليم التي تتنافس على مراتبها الأولى سيول وسنغافورة. تثير هذه المسألة جدلاً كبيراً في مصر، التي كان وزير معارفها ذات يوم، الضرير طه حسين. ولم تكن عظمته في علومه، بل في آفاقه. ولذلك، تزعَّم الرجل الأعمى حركة التنوير، ولا يزال أثره مشعاً.
الرؤية آفاق وسعي. وقوامها الشراكة مع ذوي الإنجاز في كل الحقول. وقد اطّلع الأمير محمد في كوريا الجنوبية على قصة نجاح لا تصدق إلا إذا شوهدت في حقيقتها.