بقلم-سمير عطا الله
مثلما انبهر شاعر روسيا ألكسندر بوشكين بالإسلام والقرآن والرسول، انبهر شاعر ألمانيا يوهان ولفغانغ غوته أيما انبهار بالنبي العربي، وأيضاً بالآداب والتراث الإسلامي بدءاً من الشعر الجاهلي. وقد انصرف بنفسه إلى ترجمة معاني الآيات ووضع «الديوان الشرقي» كأثر من أهم آثار الآداب الألمانية، سواء في زمنه، القرن الثامن عشر، أو ما قبله أو ما بعده. ولم يقتصر اهتمام غوته بالإسلام على مرحلة واحدة أو عابرة (مجلة «المعرفة» الكويتية)، بل استمر طوال عمره بدءاً من أولى قصائده وهو في الثالثة والعشرين من العمر، يشيد فيها بخصال الرسول، ويكاد يقترب من إشهار إسلامه. وظل يعايش التعلّق بالإسلام طوال عمره. فلما بلغ السبعين قال إنه يعتزم أن «يحتفل في خشوع بتلك الليلة المقدسة التي أُنزل فيها القرآن على النبي (صلى الله عليه وسلم)». وعندما صدر كتابه «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي»، قدّم له بالقول إنه «لن يكره أن يقال عنه إنه مسلم».
كان موقف غوته من الإسلام مفترقاً مهماً في التاريخ الأوروبي. فقد بدد شاعرٌ مثله تلك الصور التي نشرها الغرب من قبل. وتأثر به أوروبيون كثيرون، وراحت تصدر ترجمات كثيرة لمعاني القرآن، وإحدى الترجمات وضعها المحامي البريطاني جورج سيل. وكنت أحتفظ لسنوات بالطبعة الأولى من هذه الترجمة العظيمة، غير أنها ضاعت مني للأسف بين بلدٍ وآخر أو منزلٍ وآخر. أرفق جورج سيل ترجمته بدراسة معمّقة لسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ونزول الآيات والتسامح الكثير في الرسالة. ولم يخفِ غوته أنه كان يفتش عن ديانة يستكين إليها عندما عثر على القرآن بعد مرحلة طويلة من الشك، وعثر فيه على رؤيته الأساسية القائمة على فكرة التوحيد، وأن الله يتجلى في الطبيعة، وأن سبحانه يخاطب البشر من خلال الرسل، والإيمان بأن التدين الحق هو في البر والخير والإحسان. وفي رسالة إلى صديقٍ له العام 1772 كتب يقول: «إنني أود أن أدعو الله كما دعاه موسى في القرآن: رب اشرح لي صدري». وكتب إلى صديق آخر: «ولما كنت أتحدث عن بعض النبوءات، فيتعين عليَّ أن أذكر أنّ ثمة أموراً تحدث في أيامنا هذه ولم يكن من الممكن أن يسمح حتى للمتنبئين بالتكهن بها. ومن ذا الذي كان بوسعه قبل سنوات قليلة أن يتنبأ بأنه ستقام في قاعة مدرستنا الثانوية البروتستانتية صلاة إسلامية، وبأنها ستشهد تلاوة من سور القرآن. إن هذا هو الذي حدث فعلاً. فلقد عايشنا جماعة من البشكير وهم يؤدون الصلاة، وشاهدنا إمامهم ورحبنا بأميرهم في بناية المسرح».
وبعد أيام، تحدث غوته إلى ابنه عن الانعكاسات التي تركها ذلك الحدث على أبناء مدينة فايمار، فقال له: «إن عدداً كبيراً من السيدات المتدينات ذهبن إلى المكتبة العامة من أجل استعارة الترجمات القرآنية».
إلى اللقاء.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع