بقلم : سمير عطا الله
كنا نتابع في لبنان أخبار سوريا كما نتابع أخبارنا المحلية. بل غالباً كانت الأحداث السورية تسيطر على عناوين الصحف لفترات طويلة فلا يعود لأخبارنا أهمية تذكر. والمؤسف أن الأخبار السورية على بعد 70 كيلومتراً من بيروت كانت عن الانقلابات والانقلابات المضادة والثكنات والرؤساء الذين يقلبون أو يرسلون إلى السجون. وأحياناً إلى ما هو أبعد منها.
عندما التقيت الدكتور محمد معروف الدواليبي في الطائف أوائل الستينات كنت قد قرأت الكثير عنه رئيساً للوزراء أو مجلس النواب أو وزيراً للدفاع، أو مناضلاً في الأحزاب الاستقلالية.
كنت ألتقي الشيخ معروف تقريباً كل يوم في فندق «العزيزية»، حيث كان يقطن ضيوف الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله. والآن لم يعد الشيخ جزءاً من سياسات سوريا الصاخبة والمتقلبة، بل هو مستشار عند أكثر حكام العرب هدوءاً. وقد انعكس هذا الهدوء على شخصية الشيخ العالم بكل وضوح. مرة أخرى التقيت الدكتور معروف ثم امتدت الصداقة والمودة إلى حين غيابه عام 2004. ولم أكن أذهب مرة إلى الرياض من دون أن أقوم بواجب السلام عليه في منزله المتواضع الذي هو عبارة عن مكتبة تاريخية مهمة ألحق بها بيت، وطالما كان يشرّفني بالكتابة إليَّ في مواضيع كثيرة، خصوصاً فيما يتعلق بالشؤون الإسلامية. وطوال حرب البلقان كان يكتب أو يتصل هاتفياً، معتبراً بعلوّ خلقه أنني أستحق كغير مسلم امتنان الموقف وصدق المشاعر.
خسرت سوريا شخصية سياسية من أعلامها التاريخية وكسبت السعودية عالماً من علماء الفقه الكبار. وعندما استقبله الملك فيصل أول مرة قال له: «قل لي بماذا أستطيع أن أخدمك».
فأجاب: «أنا الخارج للتوّ من السجن في سوريا، أتمنى أن تمنحني الجنسية السعودية»، فرد الملك: «كل شيء إلا هذا». فاستغرب الشيخ الجواب وسأل: لماذا؟ فأجاب الملك: «لأنك رئيس وزراء سوريا ويجب أن تبقى رمزاً للشعب السوري هنا وفي كل مكان، وأريدك أن تحافظ على لباسك السوري، ولك جواز دبلوماسي، ولأهلك ولأولادك الجنسية وكلّ ما تريد». يغفل مؤرخو الشيخ الدواليبي مرحلة أساسية من مراحل حياته التي اتسمت جميعها بالنضال السياسي. وهي المرحلة التي عمل خلالها في سبيل فلسطين مع المفتي الحاج أمين الحسيني والراحل كامل مروة، يوم كانت البعثة الفلسطينية تعمل من برلين. وقد ترك مؤلفات كثيرة في الفقه والتاريخ. وبناء على طلب منظمة «الأونيسكو» وضع كتابه الرائع «المرأة في الإسلام»، كما وضع بضعة مؤلفات بالفرنسية وهو الذي تخرج من جامعة السوربون. وناقش بأسلوب العالم الكبير الفروقات بين الاشتراكية والرأسمالية من وجهة النظر الإسلامية.
وإلى جانب ذلك، وضع مؤلفات في النقد الأدبي عند العرب، وفي القومية العربية وبقي حتى عقده التسعيني الأخير يعمل بلا كلل، محافظاً دائماً على وصية الملك فيصل، بالإبقاء على ثوبه السوري.
نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع