بقلم - سمير عطا الله
تتميز تركيا عن دول العالم بانتمائها جغرافياً إلى قارتين: آسيا وأوروبا. وقد غاب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن قمة شرم الشيخ؛ أحد اللقاءات العالمية النادرة، التي تجمع بين أهل القارتين ودولهما. وحجة الرئيس التركي قوية ومفحمة... فالغياب اعتراضٌ على السياسة المصرية، وغياب «المنهج الديمقراطي» لديها!
مفحمٌ السيد إردوغان؛ لكنه غير مقنعٍ على الإطلاق. فالمحطة التركية التي كان يتحدث إليها عن ذريعة المقاطعة، يعرف أصحابها أكثرَ من أي صحافي آخر في العالم، أن الرئيس التركي هو الرجل الذي أمر باعتقال 160 ألف إنسان لمجرد الشكّ في أنهم يدعمون انقلاباً ضده. ومن أصل هؤلاء بقي 72 ألفاً في السجون. وأحال السيد إردوغان 35 ألفاً على المحاكمة. وطرد 130 ألف تركي من مواطنيه من وظائفهم بموجب قانون الطوارئ الذي يُجدد بالانقطاع. بين المعتقلين كان عشرات الآلاف من الأساتذة، و6 آلاف أكاديمي، و170 جنرالاً، و7 آلاف عسكري، و143 صحافياً.
وتقول منظمة «هيومان رايتس ووتش» إن الأذى المتفاوت لحِق «بمئات الآلاف من الأتراك في ظلّ الطوارئ»، وشمل ذلك الحرمان من حق العمل، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والمنع من حرية الانتقال والتحرك! لقد اختار السيد إردوغان ذريعة ليست في صالحه على الإطلاق. صحيح أن تركيا لم تشتهر في أي مرحلة بشغفها الديمقراطي؛ بل طغت على ذلك شهرتها في الإعدامات السياسية، إلا أن حجم العسف السياسي في ظل إردوغان بلغ حدوداً لم يتصورها أحد. والرئيس التركي الذي يُظهر تعاطفاً معلناً مع الرئيس المصري الأسبق والمعتقل الدكتور محمد مرسي، هو أكثر من أطاح بالرفاق من حوله، وأكثر من تخلى عنهم بطريقة لا تليقُ بماضيهم وأيضاً بما قدموه له من مساعدة في عملية الوصول السياسي إلى حيث هو اليوم. جميع الأسماء التي كانت تشكل كوكبة الحكم في المرحلة الإخوانية، أبعدها إردوغان دون تردد. والإبعادُ طبعاً خيرٌ من الاعتقال، أو من العقوبات التي ألحقها بخصومه، خصوصاً جماعة غولين الذي لا يزال يطالب الولايات المتحدة بتسليمه؛ إذ ترفض أميركا طلب أنقرة الإردوغانية بسبب سمعتها وتاريخها في الاضطهاد السياسي. والرئيس التركي تحاشى في أي حال مصافحة الزعماء الأوروبيين الذين لطالما قدموا له اللوائح الطويلة بالارتكابات والمخالفات التي رافقت سمعة حكومته قبل الرئاسة وبعدها... لقد تحاشى العربَ والأوروبيين على السواء. وهو في ذلك على حق. وتحاشى مصر بصورة عامة لكيلا يشرح لأهلها ولرئيسها لماذا يستضيف في إسطنبول جوقة كبيرة من الأصوات التي تنعى أمنها وسلامتها كل يوم.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع