بقلم - سمير عطا الله
كما كان لكل زعيم شاعره في العصور الماضية، صار لكل زعيم كاتبه: رجل يعبر عن مواقفه، أو يدعو لأفكاره، أو يؤرخ لمرحلته. الواحد يشتهر بالآخر، وكلاهما يفاخر باحتكار الموقع: غابرييل غارسيا ماركيز وفيدل كاسترو، سلفادور الليندي (تشيلي) وبابلو نيرودا، خروشوف وصهره ألكسي أدجوبي، رئيس تحرير «البرافدا»، محمد حسنين هيكل وعبد الناصر، فرنسوا مورياك وديغول... إلخ.
أندريه مالرو كان كاتباً لأكثر من زعيم، فقد فتحت شهرته أمامه أبواب الزعماء الكبار في أنحاء العالم: من كنيدي إلى نهرو، ومن تيتو إلى ماو تسي تونغ. إحدى أهم مقابلاته كانت عام 1965، مع الزعيم الصيني في «قصر الشعب»، بكين. كان للمبنى واجهة من الأعمدة الفرعونية، تتوسطه قاعة طولها 300 قدم. وحضر اللقاء أيضاً رئيس الجمهورية ليو شاوتشي، الذي حمل إليه مالرو رسالة من ديغول: «استقبلني ماو بمودة، بل بألفة، وجلسنا جميعاً على كراسي من الخيزران. بدت الصالة كأنها قاعة انتظار في محطة قطار. وفي الضوء المعاكس، كان وجه ماو يبدو مستديراً وناعماً ونضراً، وكان شديد الهدوء رغم سمعة القسوة. وخلفه كانت تجلس ممرضته «بثوبها الأبيض».
بدأ ماو الحديث من دون مقدمات عن الثورة التي قام بها: «عندما عدت إلى قريتي في المجاعة، وجدت أن الناس أكلوا لحاء الشجر على علو أربعة أمتار. كانوا يموتون من الجوع، لكن كان من الأفضل لنا أن نضع جنوداً مخلصين من آكلي لحاء الشجر بدل سوّاقي التاكسي في شانغهاي».
وتدخل مالرو ليروي «إن ماكسيم غوركي (الأديب الروسي) قال لي في حضور ستالين إن الفلاحين هم أنفسهم في كل مكان»، فاعترض ماو قائلاً: «لا غوركي، الشاعر المتشرد العظيم، ولا ستالين، كانا يعرفان شيئاً عن الفلاحين».
وتحدث عن تفوق «الجيش الأحمر» على أعدائه، رغم المساعدة التي كانوا يتلقونها من الأميركيين، وقال إن المجاعات كانت قد ضربت الناس «حتى إن النساء كن يضرعن لأن يخلقن كلاباً في الحياة التالية، من أجل أن يكنّ أقل بؤساً»، وأضاف: «لم نعد نأكل الحساء، بل قصعة من الأرز».
طوال اللقاء، كان ماو المتعب جالساً لا يتحرك إلا ليرمي رماد سيجارته في المنفضة أمامه، «وكان جالساً مثل تمثال إمبراطور مصنوع من البرونز»، لكن مالرو ذُهل عندما رأى الزعيم الصيني يقف مودعاً، ويسير بخطى شديدة البطء، غير قادر على أن يطوي ساقيه: «كان يمشي مثل كائن أسطوري عاد لتوه من مدفنه الإمبراطوري».
أتمنى أن تكون السلسلة قد نالت استحسانكم.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع