بقلم: سمير عطا الله
أهل هذا الكوكب قسمان: واحد يهرب من الصيف، وواحد يهرب إليه. ونحن أهل القسم الأول، إلا ما أعفى تعالى، أي أهل جبال الأطلس و«الجبل الأخضر» في ليبيا، و«جبل لبنان» أو «الجبل» للاختصار. وتُضمرُ الكلمة معنى جغرافياً وسياسياً يعني المنطقة الخاضعة لزعامة الدروز، يقابلها في سوريا اسم علم معلن غير مُضمر، هو «جبل الدروز».
وحيث يكون الدروز، في لبنان أو في سوريا، يكون البأس، فالقوة، أو سمعتها، هي التي حمت الطائفة من صراعات المنطقة التي لا تكف عن الهبوب، مرة في حجم عواصف، مرة في توحش الأعاصير. و«الجبل» اسم رمزي معنوي، معناه أن على الذي تسوّل له نفسه بالاعتداء، أن يفكر مرتين.
تاريخياً، الدروز فريقان: جنبلاطي، وله ولاء واسع في لبنان وسوريا وفلسطين، وأرسلاني، وهو الشريك المحترم، لكن القليل العدد والمحدود التوزع. تمثل الجنبلاطيون دار المختارة في قلب الجبل، وقلب حروبه الوجودية، وتمثل الأرسلانيون دار الشويفات على الساحل، الأقرب إلى بيروت، وبالتالي، الأبعد عن رموزية «الجبل».
في الحروب الداخلية والصراعات العربية، تجاوز الجنبلاطيون حدود «الجبل» ورمزيته. أصبح كمال جنبلاط زعيم «الحركة الوطنية» التي تمثل مجموعة من الأحزاب، إضافة إلى المقاومة الفلسطينية. وبعد اغتياله، تولى وليد جنبلاط «حرب الجبل» ضد «القوات اللبنانية» وربحها، وبالتالي أصبحت زعامته الدرزية بلا منازع.
غير أن جنبلاط خرج من الحرب بعداء مع سوريا، مثل حلفائه، خصوصاً ياسر عرفات. وازداد الخلاف ضراوة بعد مقتل الرئيس رفيق الحريري وما أعقبه من انشقاق في الوضع السياسي. وأخذت دمشق تساند خصومه، أولاً أرسلان، ومن ثم النائب وئام وهاب، الجناح الجديد في القوى الدرزية، والذي من دون سند عائلي تاريخي.
انضم إلى خصوم جنبلاط من بعيد، صهر الرئيس ميشال عون، «مكوك» الجولات السياسية الاستفزازية. وتآلبت القوى تريد تحجيم المختارة. وتطور الصراع السياسي إلى جولات عنف وقتل. ودب الخوف في جميع اللبنانيين، وليس «الجبل» وحده. ويتطيَّر اللبنانيون من «حوادث» أوائل الصيف، لأنها تحرم الاقتصاد دخلاً هو في حاجة ماسة إليه. حرائق الصيف تُطفأ بصعوبة. وجروح الدروز تلتئم ببطء. وثمة خوف أزلي من أن تعجز المراهنات السياسية عن إحراق 500 سنة من «المختارة»، فتحرق مائة عام من لبنان.