بقلم : سمير عطا الله
تُطبق علينا الأحداث السلبية حتى لم ننتبه بما يكفي إلى معنى أن تقعد أكبر وأهم دول العالم في عاصمة عربية، في حدث تاريخي لا سابقة له. فقد تعودنا، أو خدرنا، على أن الحدث المهم هو الحدث الصاحب، أو العدائي، أو المتفجر، ونسينا أن الحدث الأرحم والأبقى والأهم، في تاريخ البشر، هو البناء والعمران والتقدم والمشاركة. اعتدنا أن الدول الكبرى تجتمع فقط في الحروب والأزمات والصراعات، ولم نألفها مجتمعة، وليس على جدول أعمالها سوى سلام العالم وعدالته وتحصينه ضد الأخطار والمغامرات.
هذه المرة كان مضيف القمة ملكاً ارتبط اسمه بأطول مسيرة عمرانية في التاريخ، ولم يظهر اسمه في أي خلل سياسي من الاختلالات التي ضربت العالم طوال نصف قرن. بعد الحرب العالمية حمت الأنظمة الملكية دول أوروبا من المغامرات والمجازفات والتطاولات التي أدت في الماضي إلى الحروب. وفرضت هذه الملكيات، من شمال أوروبا إلى جنوبها، نظاماً أخلاقياً وقيمياً رفيعاً، بصرف النظر عن النظام الحكومي أو الحزبي، هو خادم المواطنين وهو الأعلى من نزقهم وضعفهم البشري وهشاشة العدالة.
الحرب الوحيدة التي خاضها الملك سلمان بن عبد العزيز، كانت حرب التنمية والإصلاح والتطور. والمعركة الوحيدة التي خاضها كانت معركة التربية والتعليم. والتشدد الوحيد، كان في العدالة بين الناس، والاعتدال في العلاقات مع الدول. وما من سيرة بين سِير قادة الأمم، ضمن سِيَر ومسيرات العقود الماضية، شبيهة بسيرته، في سائر المقاييس والمعايير.
سوف أستغل مناسبة هذه القمة، لكي يُسمَحَ لي، برأي أحمله منذ أربعين عاماً. لطالما نظرت إليه الناس في المملكة وخارجاً، على أنه ملك. صورة الملوك، وأخلاق الملوك، والحضور الملوكي. وقبل كل شيء آداب الملوك. فلما تولى المُلك بدا وكأنها مسألة عادية كانت تنتظر حلولها.
سبقت الملك سلمان إلى العالم ما يعرفه العالم عن تعلق السعوديين به. وضيوفه الآن في الرياض من قادة وزعماء يعرفون مدى ما يمكنهم الاعتماد عليه في هذه المرحلة العكرة، في تنقية العالم من مكامن الخطر والاختلاف. وسوف يشهدون في الرياض معالم تجربة مستمرة في البناء والتطور، وملامح رؤية مستقبلية، هي التحدي الأكبر الذي وضعه ولي العهد، الأمير محمد، أمام نفسه. وقد شهد العالم كيف صنع الأمير الصداقات بين زعماء المجموعة، ونوعية الألفة التي تربطه بهم. وفي القمة الماضية كانت أبرز صورة استقرت في الأذهان، تلك المصافحة بينه وبين فلاديمير بوتين، وكأنهما رفاق في ملعب الجامعة. في القمم والمؤتمرات واللقاءات الشخصية، تلعب المودات الشخصية الدور الأهم في العلاقات الدولية. لم تبدِ الرياض إلى سائر الأمم سوى المودات. خصومها هم الذين يشعلون الحروب ويبددون حياة الشعوب. ويزرعون الخراب والفرقة والكراهية أنى وحيثما استطاعوا. كل شيء هنا على مستوى القمة ومسؤولياتها.