توقيت القاهرة المحلي 02:36:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أدب الحَجْر

  مصر اليوم -

أدب الحَجْر

بقلم : سمير عطا الله

هذا هو اليوم الثامن من الحجر الذاتى داخل المنزل، والحمد لله على هذه الشرفة وجميع الشرفات. أتذكّر الذين أمضوا أعمارهم مُقعدين، حجر الدهر عليهم وجعل عالمهم بضعة جدران. أحدهم كان مارسيل بروست، أشهر كُتّاب فرنسا. كان «بروست» مصابًا بالربو، لا يستطيع أن يفتح نافذة غرفته المليئة بالستائر السميكة. أدرك الشاب أن الغرفة المُعقَّمة حُكمٌ مدى الحياة، فراح يبحث عن وسائل القوة عنده: الذاكرة.

راح يتذكر ويكتب «بحثًا عن الزمن المفقود»، التى سوف تصبح تحفة الرواية الفرنسية وإحدى تحف الأدب العالمى، فإذا كانت حياتنا متحركة، «فإن الذاكرة فى مكانها». هكذا راح يعتصرها بالثوانى والتفاصيل، غير مدرك أن الحاصل سوف يشكّل أحد أهم الأعمال فى أدب الرمز، فى جميع لغات العالم.

كان المهم شيئين: أن يتذكر وأن يكتب.. جملًا قصيرة وجملًا طويلة، إحداها بلغت 365 كلمة. وفى أخرى وصف مُوسَّع لمنديل على مائدة الطعام، ومن أى قماشة صُنع، أو صوت مرور المياه فى قساطل المبنى، ومن ثَمَّ يدخل فى تأملات روحية ونفسية حول كل الخواطر. كل ذلك يتلقفه «بروست» بأسلوبه الإيقاعى الجميل. ولم يكن يدرك أنه يقدم مادة فائقة للأدب العالمى فحسب، بل تحولت روايته إلى موضع دراسة عند علماء النفس وعلماء الأعصاب.

مُسجى على سرير الأمراض، عاش أيضًا الشاعر الملحمى بولس سلامة «عيد الرياض». سنوات وهو لا يرى سوى سقف الغرفة، ومع ذلك يكتب الشعر والنثر والدراسة الفلسفية الممتعة، كما فى كتابه «الصراع فى الوجود». مثل «بروست»، كانت الذاكرة أهم ما يملك. وقد عاد إليها حرفًا حرفًا ويومًا يومًا. ومن غرفته، أو محجره، استعاد مشاهد الزمن المفقود وجعل منها أعمالًا أدبية كبرى، مثل «مذكرات جريح» و«حكاية عمر» و«مِن شرفتى»، وهى جميعًا أجزاء من سيرة ذاتية حتى سن الخامسة والثلاثين، عندما أقعده حادث صحى وهو يقوم بعمله قاضيًا فى مدينة طرابلس.

ماذا تسمى ذلك؟ أدب الحجر، أدب العزلة، أدب الوحدة، أدب الأسر؟ السجون أعطت هى أيضًا آدابًا كبرى، خصوصًا فى السياسة: سولجنتسين الروسى، وناظم حكمت التركى، ودوستويفسكى، وكثيرون ممن فقدوا زمانهم ضمن جدران ضيقة وخلف نوافذ لا يمكن فتحها، إما قهرًا بالمرض وإما سطوة بالشاويش. والأعمال العربية لا تُحْصَى فى هذا الباب، كأنما السجون شرط للرواية والمذكرات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أدب الحَجْر أدب الحَجْر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 23:48 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
  مصر اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 03:10 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

داليدا خليل تستعد للمشاركة في الدراما المصرية

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

أهالي قرية السلاموني يعانون من الغرامات

GMT 02:17 2016 الثلاثاء ,21 حزيران / يونيو

فوائد عصير الكرانبري لعلاج السلس البولي

GMT 01:18 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

سامسونج تكشف عن نسخة باللون الأحمر من جلاكسى S8

GMT 17:27 2022 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أطعمة تمنع مرض الزهايمر أبرزها الأسماك الدهنية

GMT 15:02 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ريلمي تعلن موعد إطلاق النسخة الجديدة من هاتف Realme GT Neo2T

GMT 13:46 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

رامي جمال يروج لأغنية "خليكي" بعد عودة انستجرام

GMT 04:47 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

{غولدمان ساكس} يخفض توقعات نمو الاقتصاد الأميركي

GMT 05:00 2021 الأربعاء ,14 تموز / يوليو

تفريغ 964 طن حديد في ميناء غرب بورسعيد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon