بقلم - سمير عطا الله
تتكاثر التوقعات والتحليلات حول حرب وشيكة بين إيران وإسرائيل في سوريا، ولقائياً في لبنان. وثمة فريق يعتبر أن التهويل لن يخرج عن نطاق التصعيد الكلامي. عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، لم يكن يريدها أحد. فقد ذهب جميع حكام أوروبا في إجازاتهم الصيفية في يوليو (تموز) 1914، وبعد عودتهم، وجدوا في انتظارهم أول حرب تشمل المسكونة.
لن أغامر بالتحليل لأن ما أعرف هو ما يعرفه سواي. وكل ما نعرفه جميعاً مما هو معلن لا يشكّل شيئاً مما هو مقرر سراً. فالحروب لا تضرب مواعيد لأحد. لكن في إمكان المرء أن يعود إلى ما كُتب. على ما كُتب وما نُشر من وثائق بعد حروب المنطقة، وخصوصاً من الجانبين الأميركي والروسي. وخلاصة ذلك أن الدولتين الكبريين كانتا حاضرتين، عن بعد، حضوراً كلياً قد يؤدي في أي لحظة إلى نزاع مباشر بينهما، وبالتالي، إلى حرب عالمية.
يومها كانت روسيا سوفياتية، والآن بوتينية، لكن شيئاً لم يتغير: لن يتحرك الإيرانيون من دون التشاور مع الروس، ولن تتحرك إسرائيل من دون أن تعرف مسبقاً ما هي استعدادات واشنطن لمشاركتها في أي مواجهة كبرى. وبعكس ما نظن جميعاً، لا هذا مضمون تلقائياً ولا ذاك. في جميع الحروب لم يتعدَ التأكيد السوفياتي للعرب الموقف السياسي مهما كان صادقاً وعالي اللهجة. وأما التأكيد الأميركي لإسرائيل في الحرب، فلم يكن يحصل إلا في آخر لحظة، وخوفاً من أن تستخدم إسرائيل السلاح النووي لكي تعوض عن الفارق الهائل بين الحجمين.
أبرز وأدق مواجهة معبرة عن سلوك الدولتين كانت عام 1970 عندما دخلت نحو 500 دبابة سورية إلى الأردن، زاحفة نحو عمان لإسقاط الملك حسين، الذي كان يخوض في العاصمة حرباً طاحنة مع الفدائيين. في أوراق كيسنجر أن واشنطن كانت تفضل أن تتدخل إسرائيل لمنع التغيير، خوفاً من أن يؤدي تدخلها إلى صدام مباشر مع السوفيات. لكن الإسرائيليين رفضوا أي تحرك قبل أن يعرفوا مدى استعداد الأميركيين في هذه الحال. وتجنب الفريقان تلك اللحظة الخطرة عندما استطاع الجيش الأردني رد القوات السورية المهاجمة بقصفها جواً بطائرات «الهوكر هنتر» البريطانية القديمة.
السيناريو اليوم أكثر كارثية بكثير. وعصر «الهوكر هنتر» أصبح ما قبل التاريخ. وإيران تهدد بتدمير إسرائيل، بينما يهدد رئيس الأركان الإسرائيلي بتدمير لبنان، كآخر عمل يقوم به قبل ذهابه إلى التقاعد. الكثير يتوقف على روسيا وأميركا. وإلا فإن جميع حكام العالم سوف يعودون سريعاً من إجازاتهم.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع