بقلم-سمير عطا الله
انشغل أدباء ونقّاد ومؤرخو القرن الماضي بما كتب من أعمالٍ تحت العنوان العام: الصدمة الثقافية. أي ما يواجهه الأديب، وبالتالي أي إنسان عادي أيضاً، لدى وصوله إلى عاصمة مختلفة في كل شيء، من اللغة إلى العادات إلى التقاليد إلى مستوى الحريات الشخصية.
واللافت أن الذين عانوا من «الصدمة» كانوا المتأخرين وليس الأولين. فإن رفاعة الطهطاوي أُعجب بعادات باريس وطرق الحياة فيها، ودعا إلى الأخذ بالكثير منها. غير أن ردة فعل اثنين من عمالقة المرحلة، طه حسين وتوفيق الحكيم، كانت مختلفة تماماً. فما اعتبره الحكيم «صدمة» في «عصفور من الشرق»، خلاصة لتجربة شخصية تماماً، وجد فيه طه حسين تحقيقاً لأمنية ورغبة، نتيجة لتجربة خاصة هو أيضاً. فقصة الحب عند الحكيم انتهت باستمرار الغربة وتفاقمها، بينما انتهت قصة حب الضرير إلى حياة زوجية من قصص الغرام والتضحية. وثمة تجربة ثالثة كانت أيضاً موضع الدراسات هي تجربة الدكتور سهيل إدريس مؤسس «الآداب»، الذي ذهب إلى باريس مفعماً بالدراسة الأزهرية وبالحياة التقليدية في بيروت السنية القديمة، ليجد نفسه أمام كتابات جان بول سارتر والدعوة الوجودية إلى الحريات.
لا أدري أين نضع تجربة المرأة العربية في الصدمة الثقافية. يتهيأ لي أن أبرز التجارب في هذا الحقل كانت تجربة الدكتورة رضوى عاشور في ذهابها إلى الدراسات العليا في بوسطن. وقد روت تفاصيل هذه التجربة في كتابٍ ممتعٍ عنوانه «الرحلة: أيام طالبة مصرية في أميركا». غير أننا هنا لسنا في ثلاثينات القرن الماضي بل في سبعيناته. وبالتالي فإن الخلاف الثقافي هنا لم يكن اجتماعياً بل سياسياً. فرضوى عاشور، المتزوجة من الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، لا تحمل فقط قضيتها كمصرية قومية الشعور، وإنما أيضاً كصاحبة قضية ذاتية.
تواجه الطالبة المصرية منذ اليوم الأول الاختلافات الإنسانية في الجامعة، ليس من خلال المنهج والدروس، وإنما من خلال العلاقات الخاصة بين الأساتذة والطلاب. فالمرحلة مرحلة تفور حتى ذلك الوقت بآثار الهزيمة 67 والعبور 73. وكانت أميركا منقسمة يومها، خصوصاً في الجامعات المسيسة، بين مؤيدٍ للعرب أو متحزب لإسرائيل. وهكذا وجدت نفسها وحيدة، تحنُّ منذ اليوم الأول إلى مصر، وتذهب أكثر من مرة في النهار إلى صندوق البريد ترجو وصول رسالة من مريد، أو من الأهل أو من الأصدقاء.
ينفتح المجتمع الأميركي وسيعاً وضيقاً أمام الطالبة المصرية، مليئاً بالخرافات مثل الشرق، وغارقاً في العلوم والتقدم والتكنولوجيا بعكس الشرق تماماً. وتجد عزاءها القومي بين السود الأميركيين الذين كانوا هم أيضاً يخوضون في ذلك الوقت تجربة تحررٍ شديدة العمق وعميقة الأسى واليأس. لكن ذلك كله يبقى غربة كبيرة إلى أن يصل مريد قادماً من مصر.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع