بقلم : سمير عطا الله
فى العالم اليوم ثلاث جبهات مشتعلة: ليبيا، أذربيجان، سوريا. وهناك جهتان على حافة الاشتعال: اليونان وقبرص. وبركان على حافة التحرك، من المتوسط إلى بحر إيجة إلى بحر قزوين. يبرز فى الصورة رجل واحد، هو أردوغان.
أطلق كمال أتاتورك على نفسه - بين ألقاب أخرى - لقب «الغازى» الأحب إلى نفسه. لكنه تصرف عكس ذلك تماماً: قلّص الزوائد فى جسم «رجل أوروبا المريض». وبحث عن تحالفات. وأدخل البلاد فى الحداثة. أردوغان يفعل العكس. هو «الغازى» الفعلى، ولو احتاج إلى جيوش من المرتزقة الأجانب. وهذه عادة قديمة فى تركيا. وكان قوام قوتها العسكرية «الانكشارية» الذين تجندهم فى الولايات، أو بين المرتزقة، وتطلقهم فى اضطهاد أهل البلاد.
الزمن لم يتغير عند أردوغان. يريد العودة بالإمبراطورية إلى ما قبل أتاتورك. إنه السلطان محمد الثانى. وما كل هذه الحروب إلا معارك فى خرائط السلطنة. كيف؟ الغازى وحده يعرف. فهو من جهة حليف وشريك روسيا الأول. ومن جهة أخرى هو عضو أساسى فى الحلف الأطلسى ويعرف أن أمريكا لن تضحى به ولا بشراكة 6 عقود مع أنقرة. ولا أيضاً أوروبا، التى يدفع فى اتجاهها مرة «داعش» ومرة طوابير المهجرين.
وأوروبا تخاف - ويعرف أنها تخاف - بينما لا يخاف هو، من أن يشعل السلطان فى القارة الحروب الطائفية القديمة، مهدداً ألمانيا دائماً بوجود 4 ملايين ألمانى من أصل تركى فى البلاد. فى يد أردوغان أسلحة كثيرة وهو مستعد لاستخدامها. وما يخسره فى الاقتصاد المتداعى اليوم قد يعوضه فيما يمكن أن يجمعه من حصة فى النفط والغاز، من سوريا والمتوسط إلى بحر قزوين.
ما ليس مهماً ولا حساب له عنده، هو ما تحدثه الحرائق على الطريق. لذلك، اختار أردوغان شركاءه تماماً عكس المعطيات البديهية والطبيعية. بل ذهب أبعد من ذلك، عندما تحالف مع خصوم الشركاء الطبيعيين: السعودية وإيران مثالاً. والممول جاهز على الدوام.
قال الغازى فى الدوحة إنه جاء يتفقد قوات بلاده، فى القاعدة العسكرية هناك. يحلم الرجل بالعودة إلى عصر الولايات. يمشى ويصافح. يستقبل ويودّع سلطاناً من سلاطين الزمان. يريد أن ينسى العالم عدد وحجم المشاكل الوطنية التى يواجهها. يتجاهل بأنه لا يرى حال الأقليات المتصاعدة. ومثل أى متصرف، يرفض أن يرى أنه يدفع الشعب التركى نحو أحلاف اقتصادية سقيمة. إنه مطمئن إلى أنه محصّن ضد العقوبات بسبب عضوية الحلف الأطلسى. لكن من هم الشركاء الدائمون الذين اختارهم لبلاده؟ النظر القصير سريع الوقوع.