بقلم - سمير عطا الله
العام 1975 كان الرئيس ياسر عرفات في ذروة قوته السياسية والعسكرية بين الفلسطينيين والعرب. وعندما انفجرت حرب لبنان ربيع ذلك العام، أصدر بياناً بعزل «حزب الكتائب اللبنانية من الحياة المدنية». وأطلقت النار في سماء بيروت ابتهاجاً. وصدرت صحف كثيرة مهللة. وزايد عدد كبير من السياسيين على أبو عمار.
يومها ذهب عبد المحسن القطان إلى أبو عمار في مقره المدجج بالسلاح، وقال له ماذا فعلت؟ هذا حزب لبناني، فدع اللبنانيين وحدهم يعزلونه. لا شأن لنا في تقييم بعضهم بعضاً. لنا أن نؤيد من نشاء ونعارض من نشاء، لكن ليس لنا أن نعزل أهل البلد في وطنهم.
العام 1990 كرر أبو عمار الخطأ نفسه في الكويت، فاستقال عبد المحسن القطان وإدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد من منظمة التحرير، احتجاجاً على مساندتها لصدام حسين. ثلاثة من كبار المثقفين الفلسطينيين يواجهون بشجاعة القوة العسكرية الفلسطينية.
الثلاثة كانوا حلقة واحدة قلبها القطان. دعم أبو هاني منظمة التحرير منذ تأسيسها وكان وفدها الأول إلى الصين للقاء ماوتسي تونغ. وانتُخب رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني، لكنه لم يهادن، أو يتواطأ يوماً، مع ما رآه خطأ في حق فلسطين. ولذا خرج من السياسات اليومية لينصرف تماماً إلى العمل الفكري والخيري والثقافي. وبذل في سبيل ذلك كل وقته والجزء الكبير من ثروته. وبدل أن يعترض أحد من أبنائه على صرف المال خارج العائلة، انضووا معه في المشاريع الكبرى التي نفّذها في فلسطين. وتولى نجله عمر، المتخرّج من أكسفورد، رئاسة مؤسسة عبد المحسن القطان في لندن، التي خصص لأعمالها 100 مليون دولار ما بين غزة والضفة. وكان أبو هاني مؤسساً، ثم رئيساً لمؤسسة «التعاون» في جنيف، التي ضمت كبار رجال الأعمال الفلسطينيين. وأيضاً كرّس لها الوقت والمال. وخلف مظهره الراقي والمتواضع أشرف على تطوير المؤسسة وتوسيع أعمالها. وكانت تشجعه في كل خطوة، سيدة من نبلاء فلسطين وكبار عائلاتها التربوية، ليلى المقدادي، عزيزتنا وسيدتنا أم هاني، أم المئات من الطلاب العرب، من المغرب إلى المشرق.
التقيت أبا هاني أول مرة في الكويت العام 1962. عمّرت هذه الصداقة وكبرت وعبرت التنقل العربي من الكويت إلى بيروت إلى القاهرة إلى لندن إلى جنوب فرنسا. كان كبير القوم.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع