بقلم - سمير عطا الله
كان بيل أورايلي الوجه التلفزيوني الأكثر شهرة على قناة «فوكس نيوز» إلى أن أُرغم على الاستقالة بتهمة التحرش قبل عامين. استغل شهرته الواسعة في وضع سلسلة من المؤلفات تحت عنوان واحد: «قتل... فلان» بمساعدة الكاتب مارتن دغارد، ضمت أشهر حوادث القتل السياسي، مثل أبراهام لنكولن وجون كيندي. في كتابه الأخير «قَتل الشمس الساطعة» يروي كيف حسمت أميركا الحرب مع اليابان. وعندما يقال لك، يخيل إلينا جميعاً أننا نتحدث عن القنبلتين الذريتين اللتين ضربتا هيروشيما وناغازاكي. لكن «قتل الشمس الساطعة» يروي لحظة فلحظة أقسى عملية قصف في التاريخ: طوكيو 10 مارس (آذار)، 1945.
من خلال قراءاتي الماضية حول الحرب العالمية الثانية، كنت أعتقد - وأكتب - أن مدينة درسدن الألمانية هي التي تعرضت لأشد قصف عرفته مدينة. لكن قراءة تفاصيل قصف طوكيو، تظهر أن درسدن، وحتى هيروشيما، لا شيء أمامها. سوف أسمح لنفسي بالنقل شبه الحرفي:
«بدأت عاصفة مدمرة ضرب طوكيو قادمة من الشمال الغربي. كانت موجة من قاذفات بي 29 تحلّق على علو منخفض فوق المدينة. أسقطت عدداً محدوداً من القذائف التقليدية، ثم اتجهت في رحلة طويلة نحو شبه جزيرة بوساو. مضت ثلاث ساعات على أول غارة كبرى على المدينة المغطاة الآن بدخان أسود. ولأن طوكيو، وبعد أربعة أشهر على بدء الغارات الجوية الأميركية، كانت تبدو سليمة إلى حد كبير، لم يشعر غير القليل من المواطنين في هذه الليلة الصافية الباردة بضرورة مغادرة منازلهم الخشبية إلى الملاجئ. وحين ابتعدت الطائرات بعض الشيء، كان في وسع سكان طوكيو القلقين أن يشعروا بالأمان من جديد، وأن يخلدوا إلى النوم.
ولكن بعد سبع دقائق، لا أكثر، تمزق الأمان، وإذا بالطيور المرعبة تحلق من جديد وعلى نحو وحشي في سماء المدينة. أسرع سكان طوكيو صوب الملاجئ الإسمنتية، متيقنين أن موجة ثانية من القصف المدمّر على وشك أن تبدأ. ولأن الملاجئ لا تتسع لأكثر من خمسة آلاف شخص، اندفع مئات آلاف الأشخاص في الشوارع - أباء، وزوجات، وأطفال، وعجائز، ونساء حوامل. كثيرون كانوا يحملون على ظهورهم أكياساً وضعوا فيها حاجاتهم الأساسية. وبسبب خوفهم ألاّ يبلغوا الملاجئ في الوقت المناسب، أشار الآباء على عائلاتهم أن يتخذوا أي مكان آمن ملجأ لهم. فرموا أنفسهم في الأنفاق والأقنية وحفروا في الأرض بسرعة حفراً دسّوا أجسادهم فيها. كان البعض يتطلع إلى فوق يتابع خطوط الضوء وهي تنير السماء أمام المدافع الأرضية المضادة للطائرات».
إلى اللقاء...
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه