بقلم - سمير عطا الله
بُعيد انتهاء دورها الإمبراطوري، أصبح لبريطانيا في صورة طوعية دور قوة التوازن. ليس فقط بين الشرق والغرب، بل أيضاً بين الغرب والغرب. وبصرف النظر عن حجمها الأوروبي، ظلت لندن الحليف الأقرب إلى واشنطن، سواء من ضمن الحلف الأطلسي أو من دونه.
برزت هذه المكانة الخاصة أكثر ما برزت عندما قرر ميخائيل غورباتشوف أن تكون بريطانيا أول مطل له إلى الخارج، بحيث يعلن من لندن برنامجه الإصلاحي على العالم. وأطلقت مارغريت ثاتشر يومها تصريحاً تاريخياً قالت فيه: هذا رجل يمكننا الثقة بقدراته.
إلى حد كبير، تشبه زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى المملكة المتحدة في أبعادها الكثيرة زيارة غورباتشوف التاريخية. فالرجل القادم من الرياض يدفع أمامه خريطة مستقبلية في هيكلية المنطقة. ولا تتناول رؤيته فقط عناصر الاقتصاد ومفاهيم الضمان والتطور الاقتصادي، بل تتعداها إلى الحفاظ على الإرث والتراث من خلال الجوهر والأسس والركائز، وليس بغيرها.
وفي السابق كانت بريطانيا وغيرها من الدول الكبرى تتطلع إلى السعودية كشريك اقتصادي رئيسي باعتبارها إحدى أهم القوى النفطية في العالم. ولكن في هذه المتغيرات العالمية السائدة منذ أوائل هذا القرن، اتخذت الشراكة أبعاداً كثيرة أخرى، لعل أبرز صورها اتصال الرئيس الأميركي يوم الأربعاء بولي العهد في موضوع يتعلق بأمن أممي ما.
في مقالته عشية الزيارة أعاد وزير الخارجية بوريس جونسون التذكير بالعلاقة التي بدأها الملك عبد العزيز وونستون تشرشل قبل 73 عاماً. وما كتبه تشرشل عن اللقاء لم يوحِ بأنه يتحدث عن علاقة ثنائية بين بلدين، وإنما عن علاقة مع الإسلام من خلال موحِّد الجزيرة. سبعة عقود مديدة مرت على تلك القمة وعلى سياسات العالم. ولم تعد السعودية دولة إقليمية طالعة في الشرق الأوسط، بل أصبحت أيضاً قوة رمزية فاعلة في سلام العالم.
لذلك، لن تكون أهمية زيارة ولي العهد فيما يتم التوصل إليه من اتفاقات ثنائية فقط، بل في البعد السياسي للمحادثات بين دولتين أساسيَّتين في سلام العالم الحديث
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه