توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عبور الريح

  مصر اليوم -

عبور الريح

بقلم - سمير عطا الله

يعبر الفن حدود الدول والبشر مثل الريح. يتجاوز الأحزاب والعقائد ومراكز الحدود ومخافر الشرطة ورقيب المطبوعات وأهواء النقاد. ولذلك، تخافه الأنظمة أكثر مما تخشى فرقة المدرعات. ضمن العصر الجاهلي ذكره من خلال شعر عنترة، لا من خلال الشهود على معاركه. ولم يترك امرؤ القيس أعمدة أو قلاعاً؛ بل أبياتاً من الشعر تصف مواقع ذابت في الرمل وزالت في الحرّ.
ينتقل شكسبير من عصر إلى عصر، لا يحفل بحداثة أو تجديد؛ بل يحسده المجدّدون ويتمنون شيئاً من تهدّل اللغة بين يديه. وفي ذروة الحرب الباردة، ظل شكسبير بديع المسارح في موسكو، وظل تولستوي أمير الرواية في الغرب.
لم يتوقف همنغواي عند أي مفتش؛ هو يتنقل على بساط الريح بين الشرق والغرب. وكان غابرييل غارسيا ماركيز أقرب الناس إلى فيدل كاسترو، ولكن أيضاً الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة. ونظر الأميركيون بازدراء إلى «جمهوريات الموز» في أميركا اللاتينية؛ لكنهم غنوا شعراءها وهاموا بآدابها.
كتب شكسبير بلغته، وفيكتور هيغو بلغته، ودوستويفسكي بلغته، وبابلو نيرودا بلغته، وسيرفانتس بلغته، وطاغور بلغته، وناظم حكمت بلغته، ولكن العالم أجمع قرأهم بلغة واحدة. وفي ذروة الخلاف السوري العراقي ومنع الشعبين من السفر، أو حتى التحليق في سماء البلدين، ظل بدر شاكر السياب يسامر رواد مقاهي دمشق. وعندما طرد عباقرة العرب مصر ومنعوا ذكرها، ظل شيء منها يملأ بيوت الناس أو مدارسهم أو مجالسهم.
لذلك تتعادى الشعوب بكل الوسائل، وتتصالح بالفنون والرياضة والمعارض الفنية، وكل ما هو غير سياسي، ويوم كانت سوريا السياسية الأكثر عزلة في العالم العربي، كان نزار قباني في كل بيت ومدرسة، من موريتانيا إلى العراق. وكانت كتبه ممنوعة في بعض البلدان، فكان المسافرون ينسخونها على دفاتر مدرسية، ولا أعتقد أن قصيدة قُرِئت في التاريخ ووزعت وحُفظت، مثل قصيدته «بلقيس» التي كتبها في رثاء زوجته، يوم قُتلت مع من قُتل في تفجير السفارة العراقية في بيروت.
كان أسهل شيء يُهرَّب من وراء قضبان السجن في مصر، قصائد سيد إمام وأحمد نجم «الفاجومي». فقد كان يحفظها غيباً السجناء والحراس معاً. وفي النهاية اكتشفت الحكومة أن الأسلم لها أن يخرجا من السجن؛ حيث يكون الانتشار أقل.
تُنشر الحضارات دون إذن من أحد. وفعل الكتاب المرخص أقل بكثير من أثر الكتاب الممنوع. والأنظمة لا تتكل عادة على الرقيب؛ بل على أننا شعب لا يقرأ في أي حال.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبور الريح عبور الريح



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon