توقيت القاهرة المحلي 03:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«حكاية مدينتين» أيضاً

  مصر اليوم -

«حكاية مدينتين» أيضاً

بقلم: سمير عطا الله

ذهبت إلى نيويورك، أول مرة، عام 1973، ليس من أجلها، بل من أجل الأمم المتحدة. ولو كان مقر المنظمة في نيوزيلندا لسافرت إلى هناك. لكن إضافة إلى المقر الدولي الأول، هناك المدينة الأولى بين المدن. أعجوبة الأعاجيب في المدن الحديثة، مجمَّع ناطحات السحاب، والجادات الواسعة التي بلا نهايات، والمسارح والمكتبات.
وباستثناء الأمم المتحدة، لم أرَ من ذلك شيئاً إلا اللمم. كانت نيويورك مدينة مخيفة في الليل وفي النهار. شوارع غير آمنة، ومعدل جريمة مرعب وينعكس ذلك على السكان الذين تحولوا من الخوف إلى أفظاظ وخُلق ضيِّق. ثم عَرِفت المدينة عُمدة يدعى رودولف جولياني، قلب حياتها قلباً. أزال تقريباً الجريمة، ونظف الشوارع والجادات، واختفى حَمَلة السكاكين، وانفرجت أسارير الوجوه، وعاد الغرباء يحيّون بعضهم بعضاً، وصارت متعة الرحلة إلى نيويورك هي المدينة. وكدت أنسى أنها مقر الأمم المتحدة. وصرت أقطع شوارع المدينة مشياً في الليل والنهار. وفي الماضي كنت أخشى المرور بالسيارة من جانب «السنترال بارك»، فأصبحت المتعة أن أعبره مشياً كل يوم، من جهة إلى أخرى.
جاءت جائحة «كورونا» وقلبت نيويورك من جديد. أفرغت المدينة، وشلّت اقتصادها، وعاد الإجرام يتمشى، فيما الناس ممنوعة من الخروج. وعادت السرقات وعاد الاحتكاك العنصري. وعادت القمامة إلى الشوارع كأنك في بيروت. ومع القمامة يظهر ما يظهر من الكائنات المقززة والمضرة.
عادت المدينة إلى ما كانت عليه قبل 47 عاماً. و«النيويورك تايمز» لم تعد تكلف نفسها نشر الأخبار «المتفرقة»، أي الجرائم الفردية والسرقات والاعتداءات في الشوارع. ها هي أجمل المدن من غير أمن. ألم نتعود أن نتمنى السلامة لكل مسافر ونحمد الله على السلامة لكل عائد؟
كلما نقلني سائق التاكسي في بيروت من مكان إلى مكان، يردد عبارة «الحمد لله على السلامة». وأقول في نفسي، هل يعتقد الرجل أنه أقلَّني من بلد إلى بلد. ما هي إلا كيلومترات قليلة في قلب البلد. لكنني طبعاً لم أعترض مرة على هذه العادة القديمة. فالسلامة خير لا يقاس بالمسافات.
حسناً أنني لم أفعل. لم يخطر لي مرة أن السائق الذي ينقلني من «النهار» إلى البيت سوف يقول لي «الحمدلله ع السلامة» بكل معانيها وأعماقها وأبعادها. لقد تركنا المدينة خلفنا وهي تنفض ثيابها من غبار الركام والدماء. وعندما تأملت سروالي اكتشفت كم علق به من دماء الآخرين الذين لا أعرف حتى شخصاً منهم. الحمد لله على المدن الآمنة، والديار الآمنة، والبلدان الآمنة. لم يخيل إليّ مرة أنني سأرى بيروت يوماً على هذه الصورة، مثل أم ممزقة الثياب تحمل أطفالها وتحاول الهرب بهم، وليس لهم ما يتمسكون به سوى أطراف الثوب الممزق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حكاية مدينتين» أيضاً «حكاية مدينتين» أيضاً



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon