بقلم : سمير عطا الله
يتفق مؤرخو ودارسو مناهج الأدب العربي على أن فن الرواية بالمعنى الحديث بدأ مع «زينب» والدكتور حسين هيكل. لكن ترى من الذي بدأ فكرة المسلسلات التي تغمر العالم العربي منذ بضع سنين سواء في شهر رمضان أو خارجه؟ يخيّل إلي أن رائدة المسلسلات في العالم أجمع كانت السيدة شهرزاد، زوجة السلطان شهريار وشقيقة السيدة دنيازاد.
لم تكن تدرك يومها - أو ليلتها - أنها تؤسس لفنٍّ أدبي جديد وفائق المتعة. لكن هذا ما حصل. ففي حسها الأنثوي الحاذق عرفت أن متعة شهريار الكبرى هي في الاستئناس بالحكايات حتى لو تبين له أنها مجرد مخيلة خصبة وبراعة جميلة.
ألف ليلة وليلة ظلّت الزوجة الأخيرة لشهريار تحدّث عن بيضة الرخ الهائل الحجم ومغارة علي بابا ومصباح علاء الدين ورحلات السندباد. وللمناسبة، لا يزال هناك خلاف حول موطن السندباد الأول: هل خرج من بغداد أم سلطنة عمان، التي ضمته إلى تراثها، يساعدها في ذلك عدد من العلماء الألمان والإسكندنافيين، الذين يعتقدون أن لا بد أن السندباد ركب البحر من مسقط وليس من دجلة.
الأرجح أن الحكايات الشفهية بدأت قبل السيدة شهرزاد في هذا العالم. وقد تحولت كما في بلاد الإغريق، إلى ملاحم شعرية. كما استمرت الحكايات الشعبية والبطولات في آداب الشعوب الأخرى. غير أن شهرزاد كانت الأكثر تنوعاً والأكثر عالمية، وأيضاً الأكثر سلوى، مع أن هويتها الأولى ظلّت الهوية العربية وظل عالمها الأول عالم الخليفة هارون الرشيد.
لم تكن ألف ليلة وليلة روايةً مسلسلةً فحسب، وإنما كانت أيضاً مشاهد مسرحية متقنة، وفي لغة هذه الأيام كانت سيناريو بديعاً غنياً بالتفاصيل مثل تلك السيناريوهات التي أبدع فيها نجيب محفوظ. مسلسلٌ متساوي الحلقات، مليء بالحوادث والأشخاص والمناظر الطبيعية والتنقل الجغرافي، وفوق كل ذلك، ذو إخراج عبقري يفوق ما عرفناه في أفلام «ديزني» وروائع «هوليوود». انتقلت ألف ليلة وليلة إلى مئات اللغات، وتحول معظم أبطالها إلى أفلام أو مواضيع مسرحية في معظم أنحاء العالم، وتداخل أبطالها مع الرموز المتخيلة في الثقافات الأخرى. وتركت في أذهان الناس حول العالم، صورة للمرأة الذكية المثقفة القادرة على أن تغيّر زوجها من القسوة المطلقة وقطع الرؤوس إلى الاقتناع بأن يصبح زوجاً ليناً وأباً تضع له شهرزاد ثلاثة أبناء.
لا مقارنة بين مسلسلات اليوم وبين المسلسل الألفي الأول. وبعض ما يعرض خالٍ تماماً من جميع خصائص ألف ليلة من الجاذبية وخفة الظل وذكاء الدعابة وغنى الصورة وألوانها. إلا أن رمضان يطل كل عام بمسلسلٍ رائعٍ على الأقل. وأحياناً أكثر.
ومثل هذا العمل ينقذ التلفزيونات من الرتابة والملل والتقسيط غير المريح.
نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع