توقيت القاهرة المحلي 12:57:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحت السنديان

  مصر اليوم -

تحت السنديان

بقلم - سمير عطا الله

أوائل القرن الماضي اشتدت رغبة الناس في التعلم، وكان عدد المدارس في لبنان قليلاً. ولا أدري من كان العبقري الذي اكتشف بديلاً لذلك. فوسط الفقر والقلّة والتخلّف، كانت المدارس الرسمية نادرة. وحتى العثور على منزل يتسع لعدد معيّن من التلاميذ كان صعباً. وما دام جميع أهل القرية معوزين، فيستحيل التضافر لبناء مكان مناسب.
ثمة عبقري خيّر خطر له أن أقرب الحلول هو الإفادة من شجرة السنديان: وارفة، عظيمة، خضراء طوال العام، وفي إمكانها أن تظلل عدداً كافياً من التلاميذ الصغار ومعهم معلمهم، ولا حاجة إلى لوح أسود (سبورة) ولا إلى طاولات، ولا إلى مقاعد. اقتعدوا الأرض واتركوا الفيء لشجر السنديان.

هكذا كان في كل قرية تقريباً مدرّسٌ وسنديانة ورعيل، أصبح فيما بعد من أساتذة لبنان وكبار أدبائه، أو من أصحاب المدارس الكبرى مثل الناقد مارون عبود (أبو محمد) الذي أصبح صاحب مدرسة عالمية. وذهبت مدرسة «تحت السنديانة» مثلاً على الجد، وأيضاً على تواضع نسبة التعلّم لمن لم يستطع إكمال دروسه فيما بعد.
غاب جميع جيل «تحت السنديانة» في قريتي، وبقيت هي وساحتها الرملية الصغيرة، وبقيت جذورها وجذوعها وأغصانها وأوراقها الخضراء. وبقيت تمتد في الأرض وتسمق في العلو. ولم يعد يأتيها المعلمون، ولا الطلاب، ولا أصحاب الذكريات.
ومنذ سنوات وأنا أسأل كل من يمكن أن يعرف عن عمر السنديانة، ولا ألقى جواباً. البعض يقول إن حجمها يوحي بثلاثمائة سنة. والبعض الآخر يقول أقل، والبعض يجزم بأن في شرايينها مائتي سنة بكل تأكيد.
كانت الزميلة «السفير» تُصدر كل شهر كتاباً مع العدد اليومي على طريقة «كتاب الهلال». وكنت أجمع بعض هذه الكتب عندما يتسنى لي. وقبل أيام عدت إليها وعثرت بينها على كتاب عن شاعر الهند روبندرونات طاغور في العالم العربي، لأن مرحلة نضاله من أجل الاستقلال تلاقت مع مراحلنا. وكان كلما زار عاصمة عربية تخرج الناس إلى سماعه ولو لم تفهم شعره. وقلّده، أو تأثر به، شعراء عرب كثيرون. وتُرجمت أعماله جميعاً وظلت تُترجم إلى أن ذبلت آداب الاستقلال وذابت مرحلة الشعر.
بكل متعة عدت إلى قراءة طاغور... كلمة كلمة. ومع أن ورق الجرائد يبهت مع الوقت، فقد بقيت كلماته مثل ذهب يلمع، ومثل الذهب يرنّ. وفي مقدمة الكتاب كيف أسس طاغور مدرسته الشهيرة التي لا تزال مزدهرة إلى اليوم. وقد حرص على أن تكون في الطبيعة معظم الفصول؛ إلا الشتاء. والباقي تحت السنديان.

 

 

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحت السنديان تحت السنديان



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها

GMT 03:22 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ريم سامي تتألق في مهرجان الجونة السينمائي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon