بقلم - سمير عطا الله
تحول ما جرى ويجري في سوريا إلى ما يشبه مسرحية الإيطالي بيرانديللو «ست شخصيات تبحث عن مؤلف». بدأت ثورة، وتحولت إلى «جيش حر» في مواجهة الجيش، ثم حرب بين «الإخوان» والدولة، ثم الأصوليين، ثم الإرهاب، ثم إيران، ثم تركيا، ثم روسيا، ودائماً أميركا، على هذه الدرجة أو تلك... ثم «داعش»، ثم جيوش الخارج على أنواعها، في هذا الجانب وذاك.
وفي المراحل الأوَل لدمويات سوريا، كتبت أن ما يجري هو نسخة عن الحرب الأهلية الإسبانية، ولكن مع عناصر القرن الحادي والعشرين. إنها حرب المنطقة، لا حرب دمشق وحلب، وحرب النظام العربي وشكله المقبل. وبدل أن تهرب روسيا كما فعلت أيام سايكس – بيكو، فسوف تندفع هذه المرة بلا توقف وبلا نهاية.
واعترض مفكر عربي كبير وقال إن الاستعارات في التحليل فيها مبالغة أحياناً وشطط أحياناً أخرى؛ فلا سوريا إسبانيا الملكية، ولا المنطقة أوروبا. وقلت له أن لا تشابه مطلقاً في الدنيا، حتى في التوأم، ولكن الشبه في الأحداث والأدوار والمناخ العام مذهل. وكان رأيه أن المسألة سوف تحسم سريعاً، وكان اعتقادي أنها سوف تطول. وكانت قناعته أن انكفاء أميركا الأوبامية سوف يسهّل الحل ويقرب موعده، وكان رأيي معاكساً تماماً: سوف يعقّده ويؤخّره.
كانت هذه قراءاتي، أما أمنياتي فكانت نقيضها: أن تنتهي الحرب في أسرع وقت ممكن لكي لا تتمدد وتتحول سوريا إلى عراق آخر، وهذا فوق طاقة العرب على الاحتمال. لكن الأمنيات والنوايا لا تربح المعارك، ولا مكان لها في الحروب. وذوو النوايا الحسنة ليسوا من يُشعل الحروب ولا من يخمدها. وقد تجاوزت المسألة السورية أدوات الحرب والسلم كلها... من المؤتمرات المنقوصة في المدن والعواصم، إلى الحروب المفترسة في جسد سوريا وروحها. والأمم المتحدة لن تقدم اليوم وغداً أكثر مما قدمت أمس وقبله.
في نهاية هذه السبع العجاف، يبدو جلياً أن سلام سوريا وإعمارها ووحدتها وسيادتها واستعادة استقرارها في حاجة إلى مؤتمر دولي يرسم خريطة زمنية ويتفق عليها أيضاً؛ مؤتمر كما جرى بعد الحرب العالمية الثانية، لا يكون هدفه توزيع مناطق النفوذ وجوائز النصر والهزيمة، بل التوصل إلى مشروع سلام طويل، يمكّن العرب من الخروج من أنفاق الخراب؛ بدءاً من سوريا.
كان من الممكن الوصول إلى حل في سوريا قبل الآن بكثير، لو أننا أخذنا المشكلة كما هي حقاً؛ أي إنها مجموعة قضايا متداخلة كانت تحت مظلة واحدة، فأصبحت أمام معرض مظلات.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه