بقلم: سمير عطا الله
من جمالات فيروز وجمائلها على المغلوبين من أهل الهوى، وما أكثرهم وما أكذبهم، أغنية تتوسل الوهم تقول «تعا ولا تيجي/ وكذوب (كذبة) علي/ الكذبة مش خطية/ وعدني إنّو راح تيجي/ وتعا... ولا تيجي». أحياناً لا يبقى للإنسان سوى الحلم فيحلم، أو لا يبقى سوى الوهم فيتوهم. وذلك ليس ضرباً من الجنون، بل شيء من العزاء. وعندما يفقد الإنسان احتمال إمكانية الحقائق، يلجأ إلى فيروز. ففي أي حال هو يذهب إليها، سواء أحب حباً، أو وطناً، أو قرية تدعى كحلون.
طلب الكاتب إدواردو غاليانو من أميرة الرواية اللاتينية إيزابيل الليندي أن تضع مقدمة لكتابه «شرايين أميركا المفتوحة» وهو، للمناسبة، من الكتب المملّة. غير أن الليندي تستشهد بحكاية من أحد كتبه القديمة:
«كان هناك رجل وحداني يُمضي معظم وقته في الفراش. وبسبب ذلك سَرت شائعات بأنه يخبئ كنزاً في منزله. وفي أحد الأيام اقتحم لصوص المنزل وفتّشوه، فعثروا في القبو على خزنة صغيرة، خرجوا بها إلى مقرهم. وعندما تمكنوا من فتحها بعد عناء، وجدوها مليئة برسائل الحب التي كان الرجل العجوز يتلقاها طول عمره. غضب اللصوص وقرروا إحراق تلك الرسائل. لكن بعد نقاش سريع فيما بينهم، قرروا إعادة الرسائل إليه. لكن ليس دفعة واحدة، وإنما واحدة بعد الأخرى. ومنذ ذلك الوقت يقف الرجل ظُهر كل يوم اثنين عند باب منزله في انتظار ساعي البريد، وما إن يلمحه من بعيد حتى يركض نحوه، فيرفع هذا الرسالة ملوّحاً بها، ثم يسلّمها له، معرباً عن إعجابه بالعاشق الذي لا تنتهي الرسائل الواردة إليه».
ذلك كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين ساعي البريد واللصوص. لكن مع الوقت صدّق الجميع الكذبة اللطيفة. وشعر اللصوص براحة البال لأنهم عادوا عن سرقتهم. وشعر الساعي بالسرور بسبب عمل دائم. وصدّق الرجل العجوز أن النساء لا يزلن يكتبن إليه رسائل العشق، فعاد إليه شيء من وهم الشباب.
إنها أغنية «تعا ولا تيجي» في كل اللغات. لكن ليس في زمن «كورونا»، فقد حرم الناس حتى من عزاء كذبة الوهم. ولم يعد في إمكان أحد أن يوجّه الدعوة إلى من يحب حتى في الأغاني، أو في كتابها (الأغاني) الجميل.