توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لذلك انتحرا معاً

  مصر اليوم -

لذلك انتحرا معاً

بقلم: سمير عطا الله

رفض كاتب النمسا، ستيفان زفايغ، أن في البشر كل هذه الشرور. كان يحب فرنسا وله بين أدبائها صداقات كثيرة. وأفاق ذات يوم، وقد انفجرت الحرب وصار عليه أن يعدّ أصدقاءه أعداءً ممنوعة عليه حتى الكتابة إليهم. وعندما انفجرت الحرب بين بلاده وروسيا فرضت عليه الخدمة العسكرية، لكن تبين أنه يفتقر إلى اللياقة الجسدية، فكان أن أدّى الخدمة مسؤولاً عن مخزن للجيش. فكتب يقول: «أليس ذلك أفضل ألف مرة من أن أطعن فلاحاً روسياً بحربة؟».
عندما اغتيل أرشيدوق النمسا في صربيا عام 1914 بدا في الأيام الأولى أن المسألة سوف تكون عابرة، فالأرشيدوق غير محبوب من الشعب، وهو رجل بليد ومتغطرس. لذلك؛ بعد شيوع نبأ مقتله بقليل، استؤنفت حفلات الموسيقى في الهواء الطلق. لكن ما لبثت آلة الحرب أن حرّكت وراحت تعبئ الناس حقداً. وأخذ الشعراء يكتبون القصائد المحرّضة على الانتقام، وأعاب الناس على المسالمين جبنهم وتقاعسهم الوطني. ودبّت حرارة الحرب في العروق الأوروبية وعداءاتها القديمة. وبسرعة انتصر الشر في الإنسان واشتعلت الحرب العالمية الأولى لتسجل أسوأ انفجار وحشي في التاريخ.
لم يكن الهدوء هو المناخ السائد أيضاً عندما انفجرت الحرب العالمية الثانية عام 1939. كانت أوروبا معبأة بأحقاد الأولى وآثارها. ومرة أخرى يجد زفايغ أن عليه أن يعادي أصدقاءه في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا. ورأى كبار الكتّاب والمفكرين في بلاده يسيرون وراء العريف النمساوي السابق أدولف هتلر، ويمجدون حملته العسكرية على تشيكوسلوفاكيا وبريطانيا وروسيا.
وقرر زفايغ أن يهرب من وباء الحرب ولوثة الخراب إلى أبعد نقطة ممكنة، فهاجر مع زوجته إلى البرازيل. لكن أخبار البشرية ظلت تصل إليه: اليابان تشعل المياه في المحيط الهادي، والألمان يقصفون بريطانيا بالطيران الذي لم يكن موجوداً في الحرب الأولى، ومدن روسيا المسحوقة بالبرد والمجاعة، تقاوم بشجاعة الهمجية النازية الزاحفة. ألم يكن هتلر يخطط لأن تصبح أراضي روسيا مزرعة للشعب الجرماني المتفوق؟ بل كان قد قطع شوطاً في احتلال فرنسا. سوف تخنع وتخضع شعوب العالم غداً للعريف النمساوي السابق.
تأمل زفايغ الجحيم البشري المتقاطع من البرازيل فرآه مكبراً أكثر. ولا مكان في الحروب للعقلاء والطيبين وذوي النوايا الحسنة. ورأى المثقفين والشعراء وفلاسفة الأمس، يقرعون الطبول ويضربون الصناجات في مديح القتل والموت... والمزيد منهما.
كان زفايغ من أكثر كتّاب العالم شهرة وثراء، وفي عام 1942 رأى أن في العالم توحشاً أكثر مما تطيق النفس البشرية. وفي الستين من عمره، تناول، هو وزوجته، كمية كبيرة من حبوب الانتحار، وانتقلا معاً إلى عالم آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لذلك انتحرا معاً لذلك انتحرا معاً



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon