بقلم : سمير عطا الله
نقلا عن صحيفة «الشرق الأوسط»
تعوّد اللبنانيون وأدمنوا ما هو مستنكر لدى الشعوب والأمم: «الخارج». إنهم ينتظرون الآن عودة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لإخراجهم من الأزمة الحكومية والدستورية، من دون أى حرج، وكأن الرعاية الخارجية هى الأصول، لا الاستثناء. ويريد كل فريق الاستقواء بالرئيس الفرنسى على الفريق الآخر، فيما يبدو ماكرون الأكثر حرصاً وصدقاً وتجرداً فى السعى إلى منع الانهيار الأخير.
ماكرون يريد لبنان وسلامته ولا يريد شيئاً منه. ليس لدى لبنان شىء يعطيه لفرنسا، سوى حماية نفسه من التفكك والتشظى والحيلولة دون التحول إلى دولة مارقة تصدر إلى العالم ثقافة العنف والمزيد من نيترات الأمونيوم. لكن السلطة اللبنانية تريد أن «تشغل» فرنسا فى رغائب وأهواء الشبق السياسى الفردى. وليس من سياسى يميز لحظة بين بقائه وبقاء لبنان. وقد خيّل لكثيرين (لست بينهم) أن المشهد الحزين الكارثى، الذى هز مشاعر العالم، سوف يؤثر فى سلوك الفئة الحاكمة ولو قليلاً. لكنه لم يؤثر فى مشاعر الفئة الحاكمة ولو قليلاً. وقد تأمل هؤلاء هذا المشهد التاريخى وراحوا يبحثون تحت الردم عن المقاعد والكراسى.
تعود اللبنانيون أن المشكلة فى الخارج والحل فى الخارج أيضاً. ومن دون أى تردد. وإذا التقاهم ماكرون هذه المرة فى بيروت، فالجديد الوحيد هو بيروت، وليس جنيف أو لوزان أو ضاحية «سان كلو» الباريسية، أو القاهرة، أو الطائف، أو الكويت أو الدوحة.
يذهبون إلى «مؤتمراتهم» وكل فريق داخلى يمثل فريقه الخارجى، مرة سوريا، ومرة أمريكا، ومرة منظمة التحرير، ومرة إيران التى أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» أنها ترسل إلى الحزب سلاحه ومؤونته وأمواله.
الرئيس ميشال عون يرفض تحقيقاً دولياً فى تفجير المرفأ، لأنه ضد السيادة اللبنانية، لكنه لا يرى أى مسّ بها فى زيارات وتصريحات رئيس فرنسا ووكيل «الخارجية» الأمريكية ووزير خارجية ألمانيا- فى أسبوع واحد. وجود عشرات المحققين العسكريين من فرنسا وأمريكا فى المرفأ ليس مسّاً بالسيادة. كلام ماكرون والمبعوث الأمريكى ووزير خارجية ألمانيا، فى قلب بيروت، عن الفساد ناخر الدولة، ليس تعريضاً بالسيادة وليس اتهاماً للسلطة.
أين الرعب فى كل ذلك؟ الرعب أن تنتصر السيادة اللبنانية حقاً. أن تتوقف فرنسا ودول العالم عن محاولة إقناع السياسيين اللبنانيين بشىء يعرف فى العالم بالواجب الوطنى والشرف الوطنى والقيم الإنسانية. سلم اللبنانيون الرئيس ماكرون عريضة وقعها الألوف، تطالب بعودة الانتداب الفرنسى. طبعاً خطوة رمزية بائسة لا معنى لها. فلا فرنسا يمكن أن تعود إلى الانتداب، ولا الأكثرية الساحقة تقبل الفكرة. لكن الهدف من العريضة كان القول: عبودية الاستعمار ولا حرية هذا الحكم. وقد قرأها الحكم كما قرأ التحذير من خطر الأمونيوم فى المرفأ، وأحالها على «السلطات المختصة لإجراء اللازم».