بقلم - سمير عطا الله
ذهب عالِم مصر العظيم جمال حمدان إلى أبعد من أن «مصر هبة النيل» ليقول، في العلم والحساب والبحث، وبعيداً عن الشعر الجميل والغناء، إن «مصر هي النيل». وكان ابن بطوطة قد قال قبله: «وليس في الأرض نهر يسمّى بحراً غيره»، أما سيد العلماء القدامى ابن خلدون فقال إن «النيل جعل مصر بستان الدنيا».
يقول جمال حمدان: «مثلما هو نهر متفرد بين الأنهار، فإن مصر متفردة في حوضه أيضاً». الآن وبعد دهر من السنين، تنبهت دول الحوض، من أعماق أفريقيا السمراء حتى مصر على المتوسط، إلى أن النيل يمكن أن يقدم لها شيئاً مما قدمه لمصر، إذا عرف أهل الحوض كيف يقلدون المصريين، في إنجازاتهم، وليس في إخفاقاتهم، كما كان يعدد جمال حمدان.
لا شك أن مرحلة جديدة في حياة القارة قد بدأت بعد قمة إثيوبيا الأخيرة. والمسائل التي من هذا النوع يقررها السياسيون، ولكن يحددها العلماء. وهؤلاء سوف يرسمون كيف يفيد الجميع بعدالة من أعظم نهر في العالم، دون إلحاق الضرر بأحد.
ولا يمكن أن يقال لدولة تعاني من المجاعات مثل إثيوبيا، إنه لا حق لها بسد يرد عنها الجفاف، لكن لا يمكن لها أيضاً أن تخرب نظام حياة مصر القائم حول النيل منذ التاريخ.
لعل العلم الحديث يساعد أهل الحوض على حل المعضلة القديمة. وربما ليس من الخيال، أو التخيل، أن تكون هناك منابع لم تظهر بعد. فها هي مصر تكتشف الآن ثروات بترولية لم تكن معروفة من قبل. وها هو البحر المتوسط عند حدود لبنان وقبرص وفلسطين المحتلة، ينكشف عن ثروة هائلة من الغاز، ولا أدري إن كان أحد فوجئ عندما ادعى وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أن حصة لبنان واقعة ضمن المياه الإقليمية الإسرائيلية. فوزراء «الدفاع» من قبله احتلوا سيناء والجولان وجنوب لبنان. ولكي نعرف ما هي سيناء حقاً، التي نطلق عليها اسم الصحراء، يجب أن نعود إلى جمال حمدان. وبمقدار ما أعرف، ليس في العالم العربي رديف للرجل الذي رحل مبكراً، أي في شموليته وسعة معارفه وخلاصة تشابكاتها.
إن من يشبه جمال حمدان في شموليته العلمية، هم فقط المستشرقون أمثال الفرنسي لويس ماسينيون والبريطاني عبد الله فيلبي. لقد أحاط الرجل بنواحي العظمة وأسباب النواقص. ومثل كل عالِم حقيقي، صارح الناس بما أدرك وقدم لهم الحقائق. وأتمنى أن تقرأ مصر من جديد في دراسات وخلاصات جمال حمدان، وتجعله دليلها العمراني، من النيل إلى سيناء.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه