توقيت القاهرة المحلي 16:48:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاجتياح الرقمي

  مصر اليوم -

الاجتياح الرقمي

بقلم: سمير عطا الله

هناك ألف سبب للدّفاع عن الحضارة الحديثة، وهناك ألف سبب أو أكثر لتوجيه التّهم إليها. وسوف نظلّ منقسمين حولها أحياناً كفرقاء، وغالباً ضمن الذات الإنسانية نفسها. لقد وصلت الحداثة بنا إلى درجتين: واحدة لا غنى عنها، وأخرى لا تُطاق. الأولى هي طبعاً بديهيات الحياة كالتطوّر في الطب والعلاج والتنقّل والتصنيع وتخفيف عبء العمل والجهد على البشر، والثانية في أن هذا العالم الذي أصبح في حجم كرة زجاجية صغيرة، يوزّع في لحظة واحدة على جميع سكّان الأرض، توتّراً نفسياً مخيفاً بسبب ما يصل إلينا كل لحظة من أنباء الحروب والمجازر والكوارث والكراهيات وجنون الغرائز القاتلة.
كان الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين يقول إنه شبّ في عصر الإذاعة التي رآها تطغى على حياة الناس، مرّة تفرّق بينهم ومرّة توحّدهم وتنقل إليهم الغناء والطرب والموسيقى والأعمال الفكرية، ثم أصبح في مرحلة التلفزيون الذي دخل البيوت ومعه تأثيراته المصوّرة والأكثر تأثيراً من الإذاعة. وقد توفّي ذلك المفكّر الرائع والعربي الناصع، قبل أن يطغى علينا هذا السحر غير المتخيّل، الذي انتقل إلى منازلنا وهواتفنا وسياراتنا ومطاعمنا ومدارسنا، تحت مسمّيات كثيرة، مثل «فيسبوك»، و«تويتر»، و«إنستغرام»، و«واتساب». فقد أصبح جزء كبير من حياتنا تحت رحمة مارك زوكربيرغ وآلاته السحرية، يوجّه المجتمعات كما يشاء، ويشعل الفتن، ويحدّد لنا معاني ثقافاتنا. وليس أدلّ على مدى طغيانه في مجتمعات العالم، أكثر من أنه أصبح أغنى رجل في العالم.
لقد أصبح قادة العصر مجموعة من السحرة الذين يملأون علينا ذرّات الكون، مليون ضعف أكثر من الإذاعات، وألف ضعف على الأقل من التلفزيون. فالمدخل إلى هذه الشبكات صار في متناول أبناء العاملين أو أكثر قليلاً. وسوف تجد ملايين البشر من دون سيارات، لكنك لن تجد، حتى في الأدغال، بشريّاً واحداً من دون هاتف جوّال. وقد أثار سفّاح نيوزيلندا أخلاقيات السحر الحديث، من جديد. ولم تنفع طبعاً اعتذارات زوكربيرغ، فلا خروج من هذه الدائرة الجهنّمية، إلا في نجاحات محدودة وجزئية. كما نقلت إلينا الإذاعات، عناصر التقدّم والتخلّف، وكما كان التلفزيون باباً للعلم وللجريمة في وقت واحد، هكذا نواجه الآن المحنة التي وضعها أمامنا العالم السيبراني. إنه يوفّر الدروس لأهل الغابات في أفريقيا، ويوفّر أساليب الجريمة المعلنة للسفّاحين ومرضى العقول في كل مكان. وقبل أن يصبح شيئاً قديماً وبعيداً مثل الإذاعة والتلفزيون، سوف يمزّق الكثير من الروابط البشرية لقاء حصولنا على ما يُسمّى بالتواصل الاجتماعي. صحيح أنه تواصل اجتماعي في معظم الأحيان، وصحيح أيضاً أنه يدمّر المجتمعات ويضعها أمام احتمالات الانهيار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاجتياح الرقمي الاجتياح الرقمي



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon