بقلم: سمير عطا الله
ذلك اليوم حدث ما توجست. لم يتوقف أحد عند قولي أن المتنبي الشاعر أعظم 4900 مرة من شكسبير، وإنما هبَّ الجميع بسبب ما اعتبروه تطاولاً على شاعر الليل والخيل والبيداء. وقامت في وجهي انتفاضة انضم إليها كل من ليس له عمل. وظهر لأبي الطيب أقرباء وفرسان في كل أرض طاف بها، من بعلبك إلى مصر، مروراً بحلب ونجد. وبدلاً من أن أكتفي بما كتبتُ وما كتبوا في مطبوعات الابتزاز، امتدت «ساعة التخلي» لتصبح ساعتين!. وفي اليوم التالي، قررت أن أرد على المفرزة من مطبوعات لندن، وكتبت رداً غاضباً على مولانا أبي الطيب. وبدل أن أذكّر الناس بأنني القائل إن شاعر سيف الدولة أعظم 70 مرة 70 مرة (4900) من شكسبير، غرقت في الوحل الذي جُررت إليه.
كان رئيس التحرير في تلك المرحلة، الأستاذ عبد الرحمن الراشد. وقد تمنيت، فيما بعد، لو أنه لم يجز المقال. لكنه تصرف مثل أي صحافي كبير، نشر المقال، وفي اليوم التالي، اتصل بي يقول: «سامحك الله. لقد أوقعوا بك»! وتركني في محنتي. فقد كنت في سهرة مع بعض الأصدقاء العرب وسمعت سيدة تقول، دفاعاً عني: «الرجل حرّ في ألا يحب المتنبي»! هي أيضاً، وزوجها الشاعر، لم يتوقفا، وربما لم يلحظا، مسألة 70 مرة 70 مرة.
كيف الخروج من طريق مسدودة؟ لقد أصبحت بين الناس الرجل الذي يتطاول على المتنبي. وقبل الناس، أو بينهم، هذا ما أصبحته أمام نفسي. عندما أذهب إلى الرياض، لا بد أن أحضر مرة أمسية الخميس في دارة العبيكان. وفي هذه الأمسيات، ألتقي من أحب من معارفي ومن أحب أن أتعرف إليهم. وبعد أشهر من «مقال التخلي» ذهبت إلى أمسية الخميس كالعادة، فوجدت ضيوفاً جدداً من الشعراء والأكاديميين. ووقف أحدهم وقال، بكل محبة، نحن جميعاً هنا نحبك ونقدرك، ولم يهن علينا تهجمك على المتنبي. وهذا المكان الذي تحبه ويحبك هو أنسب الأمكنة لكي تعلن اعتذارك من المتنبي، فهل لديك مانع في ذلك؟ ونحن، بدورنا، نعلنه من هنا على الملأ.
قلت هذا كرم منكم وتشريف لي، لكن هل سيكون كافياً الاعتذار أمام مائة شخص، مهما علا مقامهم؟
إلى اللقاء...