بقلم: سمير عطا الله
يفصل بحر المانش، الذي كان عبد اللطيف أبو هيف يقطعه سباحة، بين عالمين لا حد لاختلافاتهما: من جهة بريطانيا العظمى، ومن الجهة الأخرى، فرنسا. لغتان مختلفتان. بروتستانت وكاثوليك، طباع فاترة وطباع فائرة. شعب يحب الطعام مثل لوحة جدارية، وشعب يحب السمك والبطاطا المقلية لكي يأكل بسرعة وينصرف سريعاً إلى سباق الخيل أو ملعب الكرة. إنه يراهن على كل شيء، حتى طقس الصيف التالي: حار أم معتدل، جاف أم ماطر.
أكثر ما لفتني في المفارقات بين أهلي بحر الشمال، علاقتهم بالصحافة. صباح الأحد في بريطانيا، هو صباح الصحافة الكبرى. صحافة الكتب والثقافة والسياسة والفنون والرياضة والفضائح ورهانات الكرة والخيول القافزة والفائزة. على هذا الجانب من البحر، تصدر، لجميع الفرنسيين، صحيفة واحدة بمستوى مهني عادي جداً، واسمها «جريدة الأحد». لا إثارة، لا منافسة، ولا ملاحق خاصة صاعقة على فضائح بوريس جونسون الذي سُمعت صديقته تصرخ به في عباب الليل: إليك عني يا هذا. افرنقع يا وغد، كما هتف مرة محمد سعيد الصحاف في جورج دبليو بوش. وما فعل ذلك، العلج. أي ما افرنقع، بل ظل متكأكئاً.
مسكين من يقرر خوض العمل السياسي في الغرب. إنه قرار بقبول التعري أمام العالم أجمع. صديقات بيل كلينتون السابقات، ومحاولات دونالد ترمب، وتبرعات القذافي للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، والشقق التي منحها جاك شيراك بإيجار رخيص عندما كان رئيساً لبلدية باريس، وطريقة المستشار الألماني هيلموت كول في التهام السباغيتي، خلافاً لآداب المائدة، وكيف استبقى جيسكار ديستان الممثلة بريجيت باردو في الإليزيه بعدَ العشاء الخاص الذي دعاها إليه.
إذن، المسألة في صراخ صديقة بوريس جونسون، ليست في أنه هجر زوجته من أجلها، ويساكنها بلا رابط شرعي. هذه مسألة لم تعد مطروحة في أدبيات الغرب: الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، لم يؤخذ عليه أن له عدة أبناء بغير زواج مسجل حتى في البلدية، وإنما لأنه يذهب إلى لقاء صديقته ليلاً على دراجة نارية. لا حراسة ولا نشيد وطني يرافقه في الليلة الظلماء. أو الليلاء.
ونحن، كعرب، آخر من يحق له السخرية، أو التندر عن آداب الليالي. فلم يغن الليل أحد كما غنيناه، ولم يتأوهه أحد كما تأوهناه. وعندما قال طه حسين إن شعر بيرم التونسي العامي يشكل خطراً على الفصحى، ربما كانت في ذهنه أغنيته:
هو يقول يا ليل واحنا نقول يا ليل
وكلنا بنقول يا ليل أهل الهوى يا ليل