بقلم: سمير عطا الله
في قراءة مذكرات عبد الحليم كركلا، بقلم الأديبة سوسن الأبطح، اكتشفت ذلك الاكتشاف القديم: كلما كان المرء قريباً من الأشياء، صعب عليه التمييز فيها. أولاً، تبين لي أنني لم أعرف فرقة كركلا كما ينبغي لأني مشاهد، فكيف بصحافي. وأذهلني حقاً الدور الذي لعبه الشاعر أنسي الحاج في عمل الفرقة، مع أنني كنت من رفاقه منذ أيام الصبا.
وقد توقفت طويلاً عند علاقة الفنان كركلا بالشاعر سعيد عقل. لقد تجاوز في صداقته مع الشاعر وعمله معه، كل سياساته ونزواته المضحكة في عدائه للعرب والعروبة. وهذا ما لم أنجح فيه... لقد «قاطعتُ» سعيد عقل في كل مجال. وابتعدت عنه شخصياً، وتجنبته في اللقاءات العامة. وبعد وفاته عن 104 أعوام، رثيته في محاسنه. وكانت كثيرة في الشعر وفي النثر وفي لغة فصحى لم يماهره فيها أحد.
وسبب جفوتي منه أن من كان مثله في ماسيات لغة العرب، لا يحق له ولا يجوز، أن يتزعم الدعوة إلى «اللغا اللبنانيي» أو إلى اعتماد الحرف اللاتيني، كما فعل كمال أتاتورك في تركيا.
شعرت بعد غياب سعيد عقل أنني قاطعته بسبب الأشياء الصغيرة فيه. وبسبب شططه المضحك. وحرمت نفسي من لقاءات مع عملاق من عمالقة الشعر والنثر واللغة والقاموس.
ولولا مذكرات كركلا، لما عرفت أن المطرب والملحن إيلي شويري كان شاعراً جميلاً أيضاً. وكان عقلاً خلاّقاً وفناناً مبدعاً. ولم يأخذ شويري حقه من أحد. لقد وُجِد في الزمن الخطأ. الزمن الذي لم يكن للفنان وجود إذا لم يكن على نوتات الرحابنة أو على مسرحهم. وفي هذا المعنى، فقد ظلموا كثيرين، ولو عن غير قصد. ففي نهاية الأمر، كان مسرحهم محدوداً مهما اتسع وعلا.
تشتمل مذكرات كركلا على التاريخ والنقد والتحليل الجميل والعادل لشعراء وفناني المرحلة. وفيها رسم إبداعي مثير لشخصية ونفسية الموسيقي زكي ناصيف، الذي لمع في استعادة الفولكلور اللبناني في مصاف الرحابنة. وكان يكرههم كما يكره كبار الفنانين (وصغارهم) بعضهم بعضاً.
وعاش الراحل وديع الصافي ومعه شهادة محمد عبد الوهاب بأنه صاحب أعظم حنجرة عربية، لكنه لم يستطع أن يقنع الأخوين رحباني بذلك. ولم يخطر له لحظة أنهما يملكان ما سماه كركلا «الماسة» فيروز، التي بسببها تنفد تذاكر المهرجانات لمجرد ذكر الاسم.