بقلم: سمير عطا الله
لم يحل الاعتذار في منتدى العبيكان مشكلتي، التي أصبحت محنتي على الصعيد الشخصي. كلما ذُكر المتنبي أمامي، شعرت أنه تأنيب لي. لعل أهم حافظ لشعر المتنبي، الوزير جان عبيد، رفيق العمر. وعندما صدر مقال التخلي، لم يعاتب في شيء، بل تظاهر كأنه لم يرَ المقال ذلك اليوم.
جان عبيد هو أحد ألمع وأرقى وزراء خارجيتنا. وقد خاطبه الراحل الكبير سعود الفيصل في مؤتمر وزاري بالقاهرة، قائلاً: «أنت وزير خارجية العرب، ولست وزير خارجية لبنان». قال الأمير سعود ذلك بعدما راح جان عبيد يغرف من الآيات القرآنية في الاقتداء بالهدى. وقال الأمير سعود فيما بعد، إن عبيد أعاد إلى ذاكرته الزعيم القبطي الوطني الشهير، مكرم عبيد، الذي قيل إنه حفظ القرآن أكثر من المقرئين.
أي صداقة مع جان عبيد، لا بد أن يكون المتنبي ثالثها. إلى المائدة، أو في السيارة، أو على الهاتف، أو في باريس، أو في الزيارة الطقوسية إلى الرئيس نبيه بري، يقحم الوزير عبيد شيئاً من المتنبي. إنه الملح والبهار.
عندما وصل البن العربي إلى فيينا، عاصمة المقاهي في العالم، وجدها النمساويون مُرّة المذاق، فاقترح أحد نبهائهم أن يضاف إليها شيء من السكر. كلما ازدادت مرارة المحادثات، أضاف عبيد شيئاً من المتنبي.
وكلما نسيت بيتاً في قصيدة، اتصلت أطلب مساعدته. ولا أدري كم هو عدد الكتب في منزلي، لكن ديوان الشعر العربي الوحيد فيه هو ديوان أبي الطيب، في «معجز أحمد» كما سماه المعري. فقد أصبحت على قناعة، خاطئة أو قابلة للنقاش، أن كل دواوين العرب يسقط منها الكثير، ويُستغنى عن كثير فيها، إلا هذا الديوان المذهل والظاهرة الشعرية التي لم تتكرر منذ ألف عام.
كلما طلع جان عبيد ببيت من أبي الطيب، شعرت وكأنه يقرّعني على ما فعلت. ليس بهرم الشعر وإنما بنفسي. وخطر لي أن لا حل أمامي سوى إعلان الاعتذار في «المكان نفسه وبالحرف نفسه» كما تقضي المحاكم في هذه الحالات.
إلى اللقاء...