بقلم: سمير عطا الله
يرحب بك شبان الطائف، ثم يطرحون الأسئلة المكملة لأصول الضيافة: هل هي زيارتك الأولى إلى المدينة؟ لا؟ ومتى كانت الأولى إذن؟ بماذا تجيب؟ جميع من طرح السؤال علي لم يكن مولوداً في زيارتي الأولى. كانت صيف 1963. وفي مثل هذه الأيام. أو كما يقول أهلها، ما بين نجم سهيل واقتراب الوسم. وأما اليوم فإنك تحدد الوقت بعلامات أخرى: الأهل والأبناء يملأون المكتبات قبل الفصل الدراسي. وماذا يتبضع الطلاب صيف 2019؟ أجهزة كومبيوتر من الجيل الرابع وما يليها. هل أدركت لماذا أشعر بالحرج لدى السؤال عن الزيارة الأولى؟.
لم يبقَ الكثير من البلدة التي عرفتها. المدن تزيح البلدات دون أن تدري. وها هي الطائف، أو السور، مدينة حديثة كبرى، لا تتذكر إطلاقاً «أوتيل العزيزية» فندقها الوحيد، من دورين أو ثلاثة، ونصف بهو، أو شبه بهو، ولكن نزلاءه من أعلام البلاد وخيرة القوم. وبين هؤلاء السادة كان مساعدو الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي أقام الحكم في قصر شبرا، إحدى التحف الهندسية في بلاد العرب، وتحفة الطائف الأولى، بعد هوائها وورودها ذات اللون الواحد، الوردي، والعطر الواحد، الوردي.
قبل الرسالة - وخصوصاً بعدها، كانت الطائف ملتقى على طرق العرب. لكن لم تكن مثل سواها ملتقى تجارياً فقط، وإنما تميزت بما هو أطيب من عنبها وأمتع من رمانها وألذ من توتها وأجمل من ورودها: معلقات الشعر المذهب في عكاظ، سبع أو عشر، أو ما طاب لك.
ومنذ بداية أغسطس (آب) اجتذب السوق المُقام على نسقه الأول قبل 1500 عام، أكثر من مليون زائر وربما جاء أكثرهم وأنا هناك، إذ شعرت بطغيان الوجود الجماهيري، بحيث تضيع في بحر من البشر، لولا رفقة الزميل خالد السهلي.
حاولنا الدخول إلى جناح مصر، وكان ذلك مستحيلاً. أقصد مستحيلاً تماماً. وذهبنا إلى جناح لبنان، فكان فيه من الزوار أكثر مما في صيف جباله. ومثل كل شيء لبناني خارج لبنان، كان رائعاً: مجسمات مغارة جعيتا، المنهوبة في بلد المنشأ، وصخرة الروشة، وكل ما يشير إلى لبنان إلا «اتفاق الطائف»، الذي يحمل اسم هذه المدينة، التي منها خرج سلام لبنان بعد الحرب.
وإذ تزدهر هذه المدينة في سلامها وانفتاحها، تجف عروق الاتفاق في لبنان. ويعتدى عليه. وتعدَّ له المعدات.
إلى اللقاء...