بقلم: سمير عطا الله
كتب أنطون تشيخوف في المسرح والرواية والقصة القصيرة. لكن الناس تجهل أنه تميّز في أدب الرسائل. وهو نوع لم يُجده عمالقة روسيا، وأبدع فيه البريطانيون، اللورد بايرون، نموذجاً. ورأى نقاد الغرب أن بين الروس كان الأول تشيخوف، والآخر، وليس الثاني، كان ألكسندر بوشكين، فيكتور هوغو روسيا. وما عدا ذلك كان هذا النوع من الأدب ثانوياً. وعلى سبيل المثال، فإن الرسائل التي كتبها تولستوي، الذي يعتبر أهم روائي في التاريخ، لا يبقى منها الكثير. بل لا يبقى منها ما يذكر.
كتب تشيخوف الرسائل لأن قلبه امتلأ بنزعة الحرص على أعمال سواه. ولم يكن يتردد، بنيّة حسنة وقلب طيب، من أن يبعث تقييماً نقدياً لعمل جديد يصدره أحد أنداده. وذات مرة كتب إلى العملاق الآخر، ماكسيم غوركي، يعطيه درساً في الوضوح: ما لا تفهمه فوراً، لا معنى له. عندما تقول: كان الرجل جالساً على العشب، سوف يتضح لي المشهد في ثوانٍ. أما عندما تقول، كان الرجل النحيل الطويل القامة، يتكئ على صخرة صغيرة يتأمل الخضرة من حوله، فهذا غموض غير مستحب في الأدب. أوضح واختصر.
وكان شقيق تشيخوف، ألكسندر، يريد هو أيضاً الانصراف إلى كتابة القصة القصيرة. في رسالة إليه (1883) يقول ما معناه، إنك ذاتي إلى حد بعيد. وهذا قصور في صناعة القصة. عد إلى مشهد الرجل والمرأة في القصة التي بعثت بها إليّ عن عشاء ليلة عرسهما: إنهما حزينان بلا سبب، يذرفان محيطات من الدموع، يتبادلان القبل طوال الوقت. لا كلمة واحدة لها معنى. لا شيء سوى العواطف. إنك لم تكتب أي كلمة للقارئ. كتبت فقط لأنك تحب ذلك النوع من الحميميات. لكن ماذا لو وصفت العشاء نفسه، كيف كان جوّ المطعم. كيف تعثر الخادم. إننا جميعاً نحبذ مشهد الزوجين السعيدين. لكن المشهد يتطلب تفاصيل أكثر إقناعاً. الذاتية أمر مريع. إن التحدث عن البطة التي كانت على الطاولة سوف يجعل الصورة أكثر عفوية. إياك والخطابية.
يضيف سيد القصة القصيرة في الأدب العالمي، مؤدباً أخاه: سوف تحب خطابيتك هذه الفلاحات في قرى روسيا. وسوف تمنحك الساقيات الألمانيات كوباً مجانياً من الجعة. لكن النقاد سوف يقولون، ألم يكن في إمكان ألكسندر، رغم ثقافته وحداثته، أن يكون أكثر مهارة وواقعية؟