بقلم - سمير عطا الله
يدخل العالم في مزاجاتٍ ومراحل لا تفسير لها. بعد الحرب العالمية الثانية شهدنا هزيمة أقوى حالتين عرفتهما الأمم: الفاشية وبعد فترة الشيوعية. ومن جراء تلك الهزيمة توطدت الليبرالية الديمقراطية في أماكن كثيرة، خصوصاً في أميركا اللاتينية التي كانت ممتلئةً بالأنظمة العسكرية شديدة الاستبداد. وها هو اليمين المتشدد ينتصر يوم الأحد في البرازيل، التي هي أهم وأكبر اقتصاد لاتيني، بعدما عاد إلى الظهور بقوة في دولٍ متفاوتة الانتماءات، ما بين اليمين واليسار والوسط، مثل الفلبين وهنغاريا والنمسا.
جايير بولسونارو الذي اختاره البرازيليون بملء حريتهم هو مظلي سابق. والمعروف أن الدول البرلمانية - لكي لا نقول الديمقراطية - تستعين بالمظليين كآخر الحلول في قمع الاضطرابات الداخلية. لا أعرف كم فكّر الناخبون بذلك وهم يقترعون لرجلٍ يوزّع التهجّم والنعوت يميناً وشمالاً بلا أي رادعٍ على الإطلاق. فهو الذي قال عن زميلةٍ له في مجلس النواب إنها «لا تستحق حتى الاغتصاب». وتشمل لائحة مشتوميه الأقليات والسكان الأصليين والنساء والمثليين. غير أن الجاذب الأول في حملته الانتخابية كان موقفه من الفساد الحكومي الذي بلغ في البرازيل حدوداً غير مُسجَّلَةٍ في أي بلدٍ آخر. وكذلك وعوده بالحدِ من الجريمة في دولةٍ تُرتَكَبُ فيها 60 ألف جريمة قتل كل عام. ومثل الرئيس الفلبيني دوتيرتي، يضع بولسونارو القانون جانباً ليتوعد المجرمين الاقتصاص منهم بنفسه. ويرفع مثل دونالد ترمب شعار «البرازيل أولاً»، وهو الشعار الذي ترفعه أحزاب اليمين في أوروبا منذ تزايد موجات المهاجرين. وقد أدى الخوف من الهجرة إلى خروج بريطانيا من الوحدة الأوروبية، فيما أغلقت دولٌ مثل هنغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، حدودها كلياً في وجه المهاجرين. وتهدد طوابير من فقراء المكسيك باقتحام حدود الولايات المتحدة متحديةً قوانينها ونظامها. وبسبب موقفها المتساهل من الهجرة، خسرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كثيراً من هالة زعامتها التاريخية.
يهدد بولسونارو بحكومةٍ يملؤها بالضباط الذين كانوا رموز الحكم العسكري في البلاد. ويمتدح في خطبه العسكريين الذين كانوا رمز الإبادة الجماعية في القارة اللاتينية أمثال الجنرال بينوشيه في تشيلي. ويكرر شعار دونالد ترمب بالقضاء على الجريمة في المدن. ويتجاوزه في مهاجمة السود والملونين. وكان المظلي السابق قد تعرّض لمحاولة اغتيالٍ طعناً بالسكين خلال حملته، غير أنه أكمل الحملة من على سريره في المستشفى مخاطباً عبر «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب»، الملايين من أتباعه ومتابعيه. وقال في إحدى تغريداته: «إن شاء الله، فإننا منذ العام المقبل سوف نغيّر معاً مصير البرازيل». ومن أقواله إن اللاجئين «هم حثالة الأرض»، و«الديمقراطية لا تحل شيئاً، وأنا مع الديكتاتورية»، وأخيراً «أنا أؤيِّد التعذيب».
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع