بقلم: سمير عطا الله
تعبِّر الأمثال عن حياة أهل القرى وطبيعة أحوالهم. والمثل المختصر خلاصة مطالعة طويلة وتجارب ماضية. ولذا، فهو درس، أو عنوان درس، يكرر في النقاش وفي الجدل وفي النهي سواء في القرى أو في المدن. ومن أعمق الأمثال التي ترددت أمامي صغيراً، وأقرب إلى صيغة الدعاء: «اللهم نجنا من ساعة التخلي». أي أن يفقد الإنسان صوابه، ويتغلب غضبه على عقله، والشر على الرحمة فيه.
في مثل هذه الحالات يتصرف العاقل بجنون، والطيب بحقد، والمحب بكره. ومع العمر، اكتشفت أن كل خطأ ارتكبته وندمت عليه، حدث في «ساعة التخلي». ولاتَ ساعة مندم! وكل غضب تجاوزته، وفَّر علي الندم وأبعد عني الانجرار إلى «الحمقى والحماقات».
لا أدري أيها كانت أسوأ «ساعة تخلّ» في حياتي. لكنها قليلة ومؤسفة وندمت عليها ندم الذنوب التي يغفرها لك الآخرون ويستحيل أن تغفرها لنفسك. فالحماقة جرحها فيك، لا في سواك. وإذا حاولت أن أنسى الأسوأ، فهي لا تفارقني أبداً، وبعد مرور زمن طويل عليها، سوف أعود لأروي تفاصيلها.
لقد وَقَعت في هذه الزاوية، في هذا العمود، ولعل بعضكم يذكرها، أو أنه مثلي، لا يحب أن يتذكرها. ولكن هذه هي قصة كاتب صحافي مع أعظم شعراء العرب، على مرّ الدهور والعصور.
ذات يوم خطر لي أن أكتب، في صيغة الحرص والعتب، معاتباً شاعراً مثل المتنبي، وفي حجمه وعظمته، كيف سمح لنفسه أن يسخر أجمل الشعر في المديح الزائد، والهجاء الزائد، وصولاً إلى درجة العنصرية في هجاء كافور الإخشيدي.
طبعاً كنت أعرف أن أي كلمة عن المتنبي سوف تثير الكبار والصغار، المحترمين والذين لا يحل عليهم احترام. كما كنت أدرك أن الناس تقرأ الصحف بسرعة، وليس من شأنها أن تتمهل من أجل أحد. فالعمود الصحافي ليس مطالعة فكرية مطروحة للنقاش، لكنه في الوقت نفسه، علاقة يومية جوهرية مع الناس وعقولها وأذواقها وأخلاقها.
وخوفاً من ألا يفرّق محبو المتنبي، وهم سائر العرب، العاربة والمستعربة، بين نقد العنصرية ونقد الشعر، قررت أن «أحمي» نفسي باللجوء إلى مبالغة غير جائزة في المنطق والقياس، فقلت إن المتنبي، كشاعر، أعظم 70 مرة 70 مرة من شكسبير.
إلى اللقاء...