بقلم: سمير عطا الله
إلى جانب غرفة القوتلي، وضع رئيس الوزراء خالد العظم، الذي لقي معاملة فظة من رجال الزعيم. نقل إلى هناك بالبيجاما، حافي القدمين، ورفض حراسه السماح له بإحضار نظارتيه وطقم أسنانه. وعندما اعترض قائلاً: من أنتم؟ وكيف تجرؤون على اقتحام بيتي؟ أجابوا: «نحن الحكم الجديد، وإذا قاومت قتلناك».
انتشرت أخبار الانقلاب في أنحاء سوريا والعالم العربي. في مصر أيقظ كريم ثابت، المستشار الصحافي، الملك فاروق ليبلغه بالحدث. ووصل النبأ إلى مجلس الملك عبد العزيز في الرياض. وطبعاً إلى القصر الجمهوري في بيروت. ودعا الرئيس بشارة الخوري إلى جلسة مفتوحة للبرلمان لمتابعة التطورات في دمشق، خوفاً من انتقال العدوى. ورفضت الحكومة الاعتراف بالحكم الانقلابي. وقالت السعودية إنها لن تعترف ما لم يتعهد الزعيم بعدم إيذاء القوتلي.
في 31 مارس (آذار) وصل الزعيم إلى مقره المؤقت في قيادة الشرطة يضع في يديه قفازاً أبيض، وعلى عينيه زجاجة «مونوكل». كان في انتظاره جيش من الصحافيين والفضوليين والانتهازيين. أعلن وقف الصحف، ومنع التجول بعد السابعة مساء. وفي اليوم التالي، أعلن تعليق البرلمان. وفي 6 أبريل (نيسان) استسلم القوتلي وكتب استقالته على ورقة من المستشفى: «أتقدم باستقالتي من الشعب السوري النبيل، متمنياً له السؤدد والمجد الأبدي». حرص على تقديم استقالته إلى الشعب، وليس إلى حسني الزعيم أو مجلس النواب المنحل.
صورت الاستقالة وطبعت في كتاب مليء بأقوال التقريظ للحاكم الجديد. وفي 11 أبريل 1949 كتبت مجلة «تايم»: «ظل معظم السوريين في المقاهي يرتشفون القهوة ويدخنون النراجيل غير مكترثين بما حدث. ففي خلال أربعة آلاف سنة من تاريخهم، عاشوا في ظل الفرس واليونان والرومان والمغول والأتراك والفرنسيين. وصاروا مستعدين للتعود على حسني الزعيم أيضاً».
من كان وراء انقلاب الزعيم؟ في البداية شاع أن الفرنسيين شجعوه على العمل. ومما قوّى من الإشاعة أنه كان معجباً بطريقة الحياة الفرنسية. ثم قيل إن الأميركيين شجعوا هذا الانطباع، لكي يبعدوا الشبهة عن أنفسهم. يعطي الدكتور سامي مبيض انطباعاً بأن أبحاثه ورؤيته لهذه المسألة (وهي الأهم والأكثر خطورة)، هي الأكثر دقة.
يقول المؤرخ: «ليس معروفاً كم مرة اجتمع الأميركيون إلى الزعيم، أو متى بدأت المحادثات السرية بينه وبين دبلوماسي في السفارة الأميركية في دمشق يدعى ستيفن ميد. وكانت السفارة الأميركية في الأساس منقسمة حول تشجيع انقلاب، مدّعين أنه من الخطأ إقحام أنفسهم في شؤون سوريا الداخلية. ولم تكن وكالة (سي آي إيه)، المؤسسة حديثاً عام 1947 قد قامت بأي عملية خارجية. وبدأت وزارة الخارجية تتقبل الفكرة بتردد، في حين عارض الفكرة بشدة دبلوماسي السفارة الشاب ديان هيلتون، معلناً أن على أميركا ألا تدعم أي انقلاب عسكري ولو مؤقتاً».