بقلم: سمير عطا الله
يعيش عبد الحميد حسين في واحد من 335 كوخاً في حي أنانيدا قرب مطار مومباي. في الليل لا يتّسع الكوخ لكل العائلة التي هو أكبر أبنائها، فينام في الميدان القريب، «حيث الحياة مرض ومجارير». يعمل عبد الحميد في تجارة القمامة التي يُعاد تدويرها، ويتحاشى إغضاب أو إثارة الأكثرية الهندوسية في المنطقة.
يحتلّ عبد الحميد وسكّان هذا الحي أرضاً تملكها هيئة المطارات الهندية. ولا يفصل المطار عن مدينة الصفيح هذه سوى طريق مزروعة بأشجار جوز الهند. وتحيط بالمطار خمسة فنادق من الدرجة الأولى، ولذلك تبدو مدينة الصفيح، كما يقول عبد الحميد: «مثل كتلة من الأوساخ أسقطت من الجوّ». كل صباح يقوم الألوف من العاملين في تجارة القمامة بالبحث عن بضاعتهم في منطقة المطار والفنادق وناطحات السحاب التي نمت في هذا الجزء من عاصمة الهند الاقتصادية، نموّاً لم تعرف مثله سوى الصين. ينقّبون في المجارير عن حصّتهم من 8 آلاف طنّ من القمامة تفرزها مومباي كل يوم، ويعودون بها في الليل إلى أكواخهم، حيث ينتظر تجّار الجملة مثل عبد الحميد. تساعده والدته التي لا تكفّ عن شتم الذين يطلبون أسعاراً مرتفعة لزجاجات المياه وعلب السجائر الفارغة. مع الوقت اكتسب عبد الحميد خبرة في فرز السلع على وجه السرعة. إنه في هذه المهنة مذ كان في السادسة من العمر، عندما دمّر مرض السلّ والعمل في القمامة رئتي والده.
يجاور كوخ عبد الحميد كوخ امرأة مقطوعة الساق ويفصل بين الكوخين قطعة من القماش. برغم فقرها تحرص على نوع من العطور. تستنكر أم عبد الحميد ذلك وترشقها بالسباب. ويحبّ عبد الحميد أمّه لكنه لا يطيق سبابها. أمّا أحبّ أفراد العائلة إليه فشقيقه الأصغر، ابن العامين، البائس الذي امتلأ رأسه بعضّات الفئران. وهناك الشرطة في أنانيدا، كلّما عرف رجالها أن تجّار القمامة جمعوا شيئاً من المال، وصلوا مع هراواتهم. ليس أسهل من توجيه تهمة ما إلى فقراء مومباي. ولكن بمقاييس الهند، حيث يعيش ثلث فقراء الكون، يُعتبر سكّان أنانيدا من الذين عبروا حاجز الفقر إلى الجانب الآخر. مع أن ستّة فقط من ثلاثة آلاف نسمة لهم عمل ثابت. لكن 83 في المائة من القوّة العاملة في الهند، تعيش ضمن اقتصاد غير مستقر.
كل ما سبق مأخوذ من كتاب رائع بعنوان: «خلف جمال الأبديين» للكاتبة كاترين بو. فكرت أنه يعطينا صورة عن بلد لا نعرف عنه الكثير، وحيث تبدو حياة وموت الصفيح في أنانيدا نموذجاً لا مثيل له في أي مكان آخر في العالم على الفارق بين الفقر والثراء. وإذ نعرف أن الهند قطعت أشواطاً بعيدة من التقدّم، يمكننا أن نتخيّل كيف كانت عليه الحياة في الماضي. وقد رويت غير مرة أنني سافرت إلى بومباي (مومباي اليوم) أوائل الستّينات وأقسمت أنني لا يمكن أن أتحمّل رؤية ذلك الفقر مرة أخرى.