بقلم: سمير عطا الله
مثل كتّاب كثيرين، خصوصاً في الغرب، استمد أمين معلوف معظم أعماله من سِيَر وتراجم الأشخاص، بدءاً بكتابه «ليون الأفريقي»، الذي أطلقه إلى العالمية. في البحث وفي التخيل، لاحق معلوف أبطاله في ذلك النبع الذي لا ينضب: الإنسان. وفي هذا البطل العادي، عثر أيضاً على عائلته، وجعل من والده وأعمامه وجده، أشخاصاً ملحميين في سرد ملحمي، يؤرخ من خلاله المراحل والهجرات والتاريخ الكبير والتاريخ الصغير. الدول والفرد.
«صخرة أنطونيوس»، و«جذور»، و«الهويات القاتلة»، و«التائهون» تشكل في مجموعها سيرة ذاتية بأسلوب آخر. هذه المرة في كتابه «غرق الحضارات» يتطرق معروف في بحث الهويات إلى ذلك الجزء العائلي الذي لم يحدِّث قراءه عنه من قبل. الأعمال السابقة كانت حكاية الجذور الأبوية التي انتقلت من قرية صغيرة في جبل لبنان إلى كوبا وأميركا الشمالية وبريطانيا وغيرها. الآن يعود إلى جذور الأم التي حملته إلى مصر، وهو في شهره الثاني، عام 1949. بالنسبة إلى أديل الغصين، التي تزوجت من «المحرر» رشدي معلوف، «الوطن» كان مصر. ومن أجل أن تؤمّن لمولودها طفولة «مريحة»، كان لا بد من إعادته إلى «بلدها» ومجتمعها الحديث والمرفه، بالمقارنة مع بيروت لم تعرف شيئاً بعد من عز مصر. لكن طفولة أمين المصرية لم تدم طويلاً. فعائلة الغصين التجارية، ما لبثت أن شعرت بالغربة في مصر الثورة والاشتراكية والتأميم. ويصبح آل الغصين غرباء في موطن الهجرة وفي لبنان الذي هاجروا منه. ثم اضطروا إلى الخيار، فعادوا إلى لبنان. ولن تكون تلك تجربتهم الأخيرة. فما لبثت حرب لبنان أن شردت وشتت الآلاف. بعدما يموت والد أمين بفعل صوت انفجار قريب، تلتحق والدته بالابن الذي كان قد هاجر من قبل.
يعرض أمين، بأسلوبه وتفاصيله وروحه الجميلة، لتنازع الهويات في مصر. يروي كيف وقفت عائلته البورجوازية المتضررة من عبد الناصر، وكيف كان موقفه هو، الشاب الثوري اليساري. الصراع ما بين حبه المقدس لأمه وعائلتها، وبين شعورها تجاه الرجل الذي أفقدها «البلد» وجعلها في النهاية تبيع «بيت القاهرة».
يطل أمين معلوف الراوي من بين كل السطور، شاهداً ومراقباً ومحمولاً بالتيارات التي تأخذ عالمه من بلد إلى بلد، ومن قارة إلى أخرى. وهو طبعاً يتقبل قدره، ويستوقف هذه التيارات، لا ليسائلها، بل ليصور مرورها.