بقلم : سمير عطا الله
منذ الطفولة نعيش بقية العمر في حال من «غسل الدماغ»، من دون أن ندرك ذلك. ومنذ الفتوة تتحول أدمغتنا إلى مزيج من الحقائق والخرافات، ينقلها إلينا مجتمعنا ورفاقنا وأهلنا وصحفنا وأساتذتنا، وغالباً من لم تزود، كما شهد طرفة بن العبد.
عندما تتراكم الخرافات والحقائق، لا يعود لدينا الجَلَد للتمييز بينها. وأحياناً لا تعود لدينا الشجاعة على ذلك. وما هو خرافة في تراث بلد ما، يصبح عادة في بلد آخر، مثل الهر الأسود يوم الجمعة أو الرقم 13. وفي نيويورك اكتشفت أن العقول الهندسية التي تبني أعلى أبراج العالم، تحذف الرقم 13 من الطوابق، لأن الشركات الكبرى، التي تديرها أهم العقول العلمية، تمتنع عن استئجاره إلا إذا كان تحت رقم آخر. وبعض علماء الفيزياء الذين صنعوا الطائرات، أو حلّوا مسألة الجاذبية، أو أرسلوا الأقمار إلى الفضاء، يتحاشون المرور تحت سلم.
بعض المعارك في حرب اليمن الجنوبية أجّلت لأن موعدها كان «يوم الربوع»، كما قال أحد القادة المشهورين يومها. وبعض قراء حركة النجوم والكواكب ينصحون مواليد برج الدلو بعدم عقد أي صفقة تجارية يوم الخميس، لأن في ذلك النهار يمر زحل قرب عطارد وهو في الطريق لاستكمال نزهته الأسبوعية قرب درب التبانة. الكورنيش.
في الماضي كانت الكتب تكتب، والروايات تروى، عن اللعنة التي تصيب بلداً أو عائلة. الآن يرد ذلك في الجينات! قال لي أحد أقربائي إن لديه خمسة أبناء، أربعة منهم مجلون في دراستهم، والخامس يكره الأحرف والأرقام والكتب والدفاتر والمعلمين والناظر وباص الطلاب. فهل يا ترى، هناك خلل في الجينات؟ نصحته بأن يتابع حركة زحل على كورنيش درب التبانة - أو اقتراب عطارد من القمر في الربع الثاني من الفصل الثالث.
تتولّى مواقع التواصل الآن غسل الأدمغة، بمعنى تلوينها. والمؤسف ليس من يزرع الأكاذيب والخرافات، بل من يصدقها. أو من يهوى أن يصدقها. تستكمل هذه المواقع الجريمة التي بدأتها الإذاعات والفضائيات في تدمير الفكر العربي المستقبلي، مبشرة، تحت اسم الحرية، بالعودة إلى مجاهل الرق.
نصيبنا من هذه الثورة التكنولوجية التي نقلت الدنيا من زمن إلى زمن، مرحلة تحريض لا نهاية له. على الدول والمؤسسات طمأنة الشعوب. والحرب التي تخوضها مصر في سيناء أقل قسوة من التي تواجهها في سيناء الهوائية... برج العقرب.
نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع