توقيت القاهرة المحلي 07:37:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ضجر الجدران

  مصر اليوم -

ضجر الجدران

بقلم: سمير عطا الله

من الصعب أن تقحم اللبنانيين إلى الداخل. من الأصعب إقناعهم بالبقاء هناك. خلال الحرب الأهلية استطاعوا الصمود فقط لأنهم حوّلوا الملاجئ إلى صالات استقبال ورفاهيات أخرى. بالي بالك. وفيما كنا نحن في لندن نحمل همّ الذين لم يستطيعوا السفر، كان عندما يأتي أحدهم للزيارة، يمضي السهرة في وصف متعة الحياة في الطوابق السفلى، بينما المتقاتلون منهمكون في قصف بعضهم البعض عبر الطوابق العليا.
لكن هذا العشق للهواء الطلق ثمنه باهظ أحياناً. أعلنت الحكومة الإغلاق العام في وجه «كورونا»، ونجحت في حصاره. أغلقت المحال وفرضت حظر التجول، وأقفلت المطاعم وحارات السهر. وبعد قليل ضاقت صدور المحبوسين فعادوا على عاداتهم القديمة. وحذّر وزير الصحة من أن المخالفات قد تُدخلنا في موجة ثانية وإغلاق آخر، ولم يصغِ أحد. وها هو العزل يتجدد والنفق يطول. وبعدما كنا واحداً من أفضل البلدان في مواجهة الوباء، تبعثر كل شيء وذهبت سدى عزلة الشهرين الماضيين بكل ما فيها من معاناة وخسائر وضياع وتقهقر في الإنتاج والتعليم وسائر الحقول.
لكن الضجر ليس علّة لبنانية، ولا كره الانغلاق، ولا التبرّم بالاكتظاظ في الأماكن الصغيرة. معظم الضحايا في مصر في أحياء الصفيح و«التمرد» على الانغلاق. والناس تنام على أعتاب البيوت بسبب الحر داخلها. هكذا كان يفعل الفيتناميون عندما شاهدهم غابرييل غارسيا ماركيز بعد انتهاء حربهم المريعة.
رأى الملايين على دراجاتهم الهوائية تحت المطر يرتدون معاطف بلاستيكية، فسأل صديقه الكاتب الفيتنامي؛ ألا يشعرون بالبرد والتعب؟ أجابه: «هذا الشعب يتصرف مع الإعصار كما كان يتصرف مع القصف الأميركي. كان علينا إجبارهم على دخول المخابئ».
أليس غريباً هذا الكائن البشري كيف يخرج من الملاجئ، أياً كانت أسبابها، إلى الحياة المعلق بها؟ عندما كانت المدافع العمياء تقصف في بيروت، كانت بعض الأماكن تسهر حتى الصبح. وذات مرة دعاني صديق إلى عشاء مع سفير مصر يومها، وكان المكان محتشداً والموسيقى صاخبة والناس ترقص بين الطاولات. وسألني السفير ضاحكاً: «هل يمكن أن يحدث هذا المشهد إلا عندكم؟».
ولو كنت قد قرأت يومها رحلة ماركيز لقلت له؛ أجل، في فيتنام. عندما ذهب ماركيز إلى سهرة في سايغون السابقة (هو شي منه)، كان قد حدّثه صديقه الكاتب عن لائحة الخسائر في الحرب؛ 360 ألف مبتور أطراف. مليون أرملة. 700 ألف بغي. 8 آلاف متسول. مليون مصاب بالسل. ربع سكان العاصمة مصاب بأمراض تناسلية خطيرة.
تحمل الحرب الفقر، والفقر يتكفل بما تبقى. ينحل كل شيء وتذوي الكرامات والأعراف والتقاليد، وتهوي جدران البيوت المعنوية والأخلاقية. فيتنام اليوم من أقرب الدول إلى أميركا. ولا تزال كما كانت من مئات السنين، تعتبر أن الصين مصدر مخاوفها. وماذا بعد؟ ليس بعد. هذا هو العالم. وهنا لبنان!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضجر الجدران ضجر الجدران



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 23:48 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
  مصر اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 03:10 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

داليدا خليل تستعد للمشاركة في الدراما المصرية

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

أهالي قرية السلاموني يعانون من الغرامات

GMT 02:17 2016 الثلاثاء ,21 حزيران / يونيو

فوائد عصير الكرانبري لعلاج السلس البولي

GMT 01:18 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

سامسونج تكشف عن نسخة باللون الأحمر من جلاكسى S8

GMT 17:27 2022 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أطعمة تمنع مرض الزهايمر أبرزها الأسماك الدهنية

GMT 15:02 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ريلمي تعلن موعد إطلاق النسخة الجديدة من هاتف Realme GT Neo2T

GMT 13:46 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

رامي جمال يروج لأغنية "خليكي" بعد عودة انستجرام

GMT 04:47 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

{غولدمان ساكس} يخفض توقعات نمو الاقتصاد الأميركي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon