بقلم - سمير عطا الله
منذ أكثر من أربعين عاماً وأنا أذهب إلى إمارة الرياض في البطحاء للسلام على مؤسسها الحديث وسيدها. في أي وقت تصل، وفي أي طابق تكون، تضيع في الزحام. وفي مرحلة كَثُر المراجعون على إدارة الإمارة فكان أن أقام وكيلها عبد الله البليهد ملحقاً للنوم إلى جانب مكتبه، لأن الوقت لم يعد يسمح حتى بالذهاب إلى المنزل.
بصرف النظر عن نوع المراجعة وموضوعها، كان الناس يأتون إلى لدن سلمان بن عبد العزيز: من له مسألة في الصحة، أو في منحة دراسية، أو في وزارة الداخلية، أو في أي قضية تخطر لك، كان يعرف درباً واحداً هو الدرب إلى عتبة سلمان.
طوال نصف قرن في إمارة الرياض لم يستطع أحد أن يحدد مهامها لأنها كانت بلا حدود. تحوّلت الرياض في نصف قرن من عاصمة عادية إلى رياض فسيحة فوق العادة، وكبرت حتى شملت المساحات الكبرى، وظل إيقاع الحكم في الإمارة لا يتغير، والباب يفتح عالياً في وجه الجميع، والأمير أول من يصل المبنى، قائداً سيارته بنفسه، وآخر من يغادر.
أما خارج مكتبه فأقام سلمان بن عبد العزيز الجمعيات الخيرية التي تغطي حاجات الناس الصعبة، ومنها جمعية خاصة بأحوال فلسطين والفلسطينيين، وأوكل إدارتها إلى أبنائه لكي يلزمهم العمل الإنساني أولاً. ويروي الدكتور أنور الجبرتي أنه عندما كان مديراً للمستشفى التخصصي، كان الملك سلمان إذا جاء يعود أحد أصدقائه من المرضى، تعمّد أن يزور أيضاً كل من استطاع. ويروي موظفو الإمارة، أن الأمير، كان يعتب على مخطئ أو مقصّرٍ بينهم، لكنه لا يتركه ينام إلا وقد أشعره أن الخطأ أمر بشري. وكانت محبة الناس لسلمان بن عبد العزيز في الداخل سمعة عطرة تسبقه أيضاً في زياراته الرسمية إلى ملوك ورؤساء العالم. وكان هو من يبسط إيقاع وروحية تلك المؤتمرات واللقاءات في الشرق وفي الغرب. وكانت ذروة العلاقات الإسلامية مع الخارج، المسجد الذي دشنه وأشرف على إقامته في الفاتيكان، كأعلى رمز من رموز الانفتاح الإسلامي على حضارات العالم.
ورأى الملك سلمان في الأندلس أجمل امتداد روحي وعمراني، فأنشأ إقامته الصيفية هناك، يستقبل بعد كل صلاة جمعة، ضيوفه العرب والأجانب القادمين من كل مكان. وبسبب منه قامت عودة عربية كبرى إلى إسبانيا. ونشأت علاقة كثيفة مع الجامعات والمعاهد الأندلسية. وحيثما ذهب في العالم سبقته صورته، الفارس العربي النبيل كما في التاريخ والمخيلات.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع