بقلم - سمير عطا الله
مضت عقود عدة من القرن العشرين والولايات المتحدة تناقش حظر أو السماح لكتب الروائي هنري ميلر. وانتصف القرن وكثير من الولايات تعتبر، أو يُعتبر أن أدب ميلر يقع في نوع الإباحية، ولذا، يجب أن يُمنع بتاتاً. أُثيرت أيضا قضايا أخرى حول مدى، أو مفهوم، الإباحية الجنسية، إذ راح القرن يطوي نفسه ومعه جملة التقاليد والأعراف والمفاهيم، في السينما وفي الأدب وفي الصحافة. ففي البداية كان يُمنع تصوير القبلة في الأفلام. أما اليوم فيبدو حجم صناعة الأفلام الإباحية في هوليوود وحدها نحو 10 مليارات دولار في السنة.
أدّت الضجة الكبرى حول كتب هنري ميلر إلى انتشارها الواسع في أميركا وبقية العالم. وقد برهنت التجارب عبر العصور أن المنع يثير الفضول لدى الناس، وبالتالي، يخدم غايات الممنوع أكثر مما يُفيد المانع، وكلما كبر، أو كبرت أسماء أبطال الفضائح، زادت مبيعات المحظورات. والإعلام الذي يكرهه الرئيس دونالد ترمب ويُعاديه ويجانبه، آخذ في الاستفادة من هذا العداء على نحو لا مثيل له من قبل. ولا شك في أن جزءا كبيرا من الحملة على ترمب، رخيص وتافه وواضح الأهداف. لكن في بلد يعيش الحريات ويمارسها مثل الولايات المتحدة، يفتح القانون نفسه الباب أمام التشهير والذّم. ففي أي بلد آخر يمكن لممثلة إباحية أن تواجه رئيس الدولة بمثل هذا السقط من البغاء الإعلامي. فالسيدة ستورمي دانيالز قررت أن تجني ثروتها الكبرى في الحياة ليس من الأفلام الوضيعة، وإنما من أبطالها. إنها تحوّل لقاءً بينها وبين دونالد ترمب إلى حدث عالمي يكاد يكون أهم من مؤتمرات القمة. وليس في إمكان الرئيس الأميركي أن يفعل شيئا حتى الآن سوى أن يتحمّل - وتتحمًل معه أميركا - آثار تلك النزوة العابرة التي أصبحت، فصلا من فصول التاريخ.
في الجانب الآخر من الإعلام، أي في الإعلام السياسي الجدّي، يُهدد الكاتب الشهير بوب وودورد سمعة الرئيس الأميركي كما هدّد من قبل سمعة وولاية ريتشارد نيكسون. وسوف يتنافس كتابان، واحد بتوقيع امرأة إباحية، وآخر بتوقيع أحد أهم الصحافيين السياسيين في تاريخ الولايات المتحدة، سوف يتنافسان في سعة الانتشار والبيع. ومصدرهما في ذلك واحد، وهو رئيس الدولة.
هذه هي أميركا، وهذا هو الإعلام الأميركي، وهذا هو الجمهور المأخوذ بالفضائح حول العالم. فقبل اليوم أمضت واشنطن ردحا طويلا وهي تُناقش علاقة مونيكا لوينسكي بالرئيس بيل كلينتون. ووقف كلينتون أمام لجنة التحقيق ساعات طويلة وهو يجيب عن أسئلة تُطرح عادة في المطابخ أو المخادع.
الخصومات والمعارك السياسية في الولايات المتحدة لا حدود لها، وسلاحها الأكثر مضاءً هو الفضيحة الجنسية. وهو أمر لا يحدث في فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا، حيث تمرّ القصص المماثلة على أنها مجرد قصص مضى زمانها.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع