بقلم-سمير عطا الله
قال أعظم كاتب روسي فيودور دوستويفسكي عن أعظم شعرائها، إنه تجسيدٌ للروح القومية الروسية في كل ما تمثّله من قدرة على استيعاب عبقريات الأمم. إنه تعبيرٌ عن روسيا فيما تحمله من رسالة كونية إلى البشرية: كان إنجليزياً مثل شكسبير، وإسبانياً مثل سرفنتس، وألمانياً مثل غوته، ولكن أهم من كل شيء كان عربياً لشدة تأثره بالقرآن، وانغماسه في القراءات الإسلامية، وانبهاره بالروحانيات التي تنبثق من آيات التنزيل.
لم يكن بوشكين الشاعر الوحيد الذي تأثر بالقرآن إلى هذا المدى. فما قبل موجة العداء للإسلام التي رافقت الحروب العثمانية، ظهرت أيضاً في الغرب موجة من التفهم والتعاطف والإعجاب، والدعوة إلى عدم الربط بين العسكرية التركية المندفعة وبين تعاليم الإسلام. غير أن ما كتبه ألكسندر بوشكين في الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان على الأرجح أعمق ما كتبه الغربيون والأكثر ابتهالاً. وعزا بعض النقاد والدارسين ذلك إلى الدماء الإسلامية التي حملها شاعر روسيا من جدٍّ أفريقي بعيد. غير أن في ذلك بعض التذاكي. فالواضح أنه كشاعرٍ وإنسان عظيم، وجد في القرآن الكريم، وخصوصاً في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) تلك الرؤية التي بحث عنها في كل مكان آخر. وقد رسم لظهور النبوة في الفلاة الصحراوية الهائلة لوحة عاطفية إيمانية: «وناداني صوت الله من عل - انهض أيها الرسول وتأمل – لب إراداتي – واذهب في البحار والأراضي - وألهب بدعوتك قلوب العالمين».
أخفى بوشكين إلى حين انبهاره بالإسلام خوفاً من غضب القيصر. لكن ذلك لم يدم طويلاً خصوصاً بعدما نُفِي إلى بلاد القوقاز، وعاش بين المسلمين عن قرب، وأمضى المزيد من الوقت في قراءة القرآن وفي طرح الأسئلة على أصدقائه العارفين. والواضح في القصيدة التحفة أنها في مجملها استلهام للآيات ونقل شعري عنها. ثمة ترجمات كثيرة إلى العربية، كما لسواها من اللغات، وجميعها محيرٌ بالنسبة لمن لا يعرف الروسية. لذلك؛ فهي تحمل في النص الفرنسي إيقاعاً روحياً مغموراً بنغمٍ من فرنسا. فيما تحمل في النص الإنجليزي وترجماته المتعددة نغماً يوحي أنه أكثر دقة، وإن يكن أقل شاعرية. وفي اعتقادي أن الترجمة العربية في حاجة الآن إلى المزيد من المراجعة بعدما ازداد عدد المستعربين الروس، كما ازداد عدد طلاب الروسية بين العرب. ولعل الكرملين يرسل إلينا بين سوخوي وأخرى بعضاً من آلاف الدراسات التي وضعت في الجمهوريات الإسلامية حتى في أيام السوفيات. ثمة كنوزٌ تراثية لا مثيل لها في تلك الجمهوريات المنسية لم تلقَ الاهتمام الكافي، لا من الروس ولا من المسلمين، وليست قصيدة بوشكين سوى درة في عقدٍ ذهبي وسيع.
إلى اللقاء.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع