بقلم - سمير عطا الله
في لبنان مَثَل شعبي ساخر هو «مثل القرد». ويُقال عن الإنسان الذي أشيع عنه أنه في حالة صحية سيئة، ثم يُشاهد وهو يعدو في الشارع، أو وهو ينقض على خروف محشي، أو صينية كفتة وبطاطا، فيقال عندئذٍ «ما بو شي صحتو مثل القرد». ولا صحة لما شكا وادعى.
وقردنا اليوم هو الدولار الذي قيل إنه انكسر أمام الروبل والعملة الصينية، وقيل بعد أزمة النفط والغاز والقمح وسائر اليوميات الحياتية، إنه انتهى. وتبسَّم فلاديمير بوتين وهو يصر على اعتبار الروبل عملة البيع والشراء، وبدا واضحاً للعالم أجمع أن حرب بوتين ليست فقط في كييف وبلاد عموم الأوكران، بل هي حرب كسر الرؤوس، وأولها كسر رأس الدولار. وبدأ حَمَلة الدولار حول العالم يبحثون عن عملة بديلة يلجأون إليها، إضافة إلى الذهب وبقية «المعادن الكريمة». وفرّ كثيرون إلى الفرنك السويسري المستقر منذ عقود.
طوال أسابيع كان الروبل يمشي في العالم منفوخ الصدر والكتفين، بسبب قوته. سوف تموت أوروبا من البرد. ولم تعد حركة البورصة همّ البنوك والمؤسسات الكبرى، بل أصبحت همّ الإنسان العادي في كل العالم. وضرب التضخم حياة البشر، وزاد في حدة الأزمة أن الشتاء الأوروبي بكَّر كثيراً في القدوم.
غير أن بوتين بكّر كثيراً في رسم إشارة النصر فوق الحلبة الكاسرة. فجأة، راح الدولار يرتفع والعملات الكبرى تتساقط مثل أوراق الخريف. وراح الدولار يمشي بين الناس متشاوفاً «مثل القرد». بدأ الزلزال مع اليورو، ثم الجنيه الإسترليني، وارتعد أصحاب المال حقاً عندما رأوا الفرنك السويسري يفقد حصانته التاريخية مثل سواه.
وفي غضون ذلك كان الدولار يقفز مثل القرد من شجرة إلى أخرى وهو يقشر جوز الهند ويرمي بها الجميع ويقوم بحركاته المضحكة.
ثمة «قرود» كثيرة في حرب أوكرانيا فاجأت الزعيم الروسي؛ توقَّعهم من الشرق فجأوا من الغرب. «القرد» الأكبر هو طبعاً الرئيس الأوكراني الذي توقع العالم ألا يصمد أكثر من خمسة أيام في وجه الهول الروسي. وفي بداية الحرب كان يشاع أنه اختفى أو أصيب، ثم لا يلبث أن يظهر «مثل القرد»، في حين يعلن بوتين التعبئة العامة ويستدعي المجندين. والمجندون الهاربون يملأون جميع حدود روسيا، بما فيها حدود منغوليا، التي لا يعتبر السفر إليها موصى به في الأيام الطبيعية. الدولار والمجندون والهرب من التجنيد، أخبار غير سارة للكرملين. والقرد إهانة.