بقلم: سمير عطا الله
بعد أربعين عاماً من تأسيس مجلس التعاون، عادت الأمانة العامة إلى الكويت: الأمين الأول كان عبد الله بشارة، الذي جاء من عشرة أعوام في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومسيرة دبلوماسية بدأها مدير مكتب وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد. الأمين الجديد، نايف الحجرف، يأتي من عالم المسؤوليات المالية والإدارة والتربية والتخطيط. وهي الحقيبة التي كان أول من شغلها بعد الاستقلال الأمير الراحل جابر الأحمد.
مرّ على الأمانة العامة، وفقاً للتتابع الدوري، رجال من الدول الأعضاء كافة، تميّز كلّ منهم بميزته وشخصيّته: حيوية عبد الله بشارة وأريحية جميل الحجيلان وآداب فاهم القاسمي وصلابة عبد الرحمن العطية وبحرينية عبد اللطيف الزياني. وجوه مثّلت مراحلها ومراحل المجلس. ولكي تشدّد الرياض على ما توليه للمجلس من أهمية، قدّمت له المقرّ، وأرسلت إليه أحد أعرق وجوهها الوزارية والدبلوماسية. جميع السادة الأمناء جاءوا من الدبلوماسية، ما عدا الزياني الذي قدم من العسكرية بدقّة الضبّاط. غير أن «بحرينيته» طغت على تعاليم المدرسة الحربية فكانت ولايته الأمانة العامة عملاً هادئاً في مرحلة مضطربة، منها الفترة الحرجة التي مرّت بها البحرين نفسها أيام شغب «الدوار الثالث». يعكس الأمين العام سياسات الدول الأعضاء. لكنه يتمتّع باستقلالية الدور، ويؤمّن استمرارية الاتصال بين الحكومات، ويرسم رؤيته للضرورات السياسية والإدارية. وكان طموح المجلس عند تأسيسه أكبر بكثير مما سمحت به الأحداث الطاغية. فقد كان الهدف الأساسي تحقيق الوحدة فور خروج آخر معالم النفوذ البريطاني، ومحاكاة التجمعات العربية المماثلة ضمن إطار الجامعة العربية والأمم المتحدة. غير أن التجارب العربية المماثلة تفككت فيها، وبقي مجلس التعاون يكافح وحده أهواء الانقسام وأخطار التفتّت.
انتخب الوزير الحجرف في الوقت الذي يمرّ الإقليم بغيوم تتّجه على الأرجح إلى الانقشاع. والوسيط كالعادة هو الكويت. لا الخلاف سهل، ولا الوساطة بسيطة. لكن المبادرة التي أطلقها أمير البلاد بنفسه رسمت خطوطاً واضحة يمكن العمل على أساسها. كم كان عمر نايف الحجرف عندما تأسّس مجلس التعاون؟ عشر سنوات؟ أكثر؟ أقلّ؟ نعرف أنه قبل الأمانة العامة كان وزيراً للتربية والمالية. الشباب يبكّرون في المسؤوليات والتحدّيات. رئيسة وزراء فنلندا (إحدى أنجح الدول في العالم) عمرها 34 عاماً. وبموجب النظام الفنلندي، هي الحاكمة. والكويت أولى في هذه الريادات. فهي أول من أرسل سفيرة إلى الأمم المتحدة قبل أكثر من ثلاثين عاماً. ومبكراً دخلت المرأة مجلس الأمّة. والراحلة سعاد الحميضي كانت أول سيدة أعمال في الخليج. وعام 1959 انتخبت أول سيدة عضو في غرفة التجارة. ووقفت الدكتورة سعاد الصباح إلى جانب أبرز الأديبات العربيات في الارتقاء بالحالة الثقافية الحديثة، شاعرة وكاتبة وناشرة. لم تنجلِ غيوم الأزمة الخليجية تماماً، لكن الأرجح أن باب الحلّ قد فُتح، كما توحي بذلك تصريحات الوسطاء الكويتيين. لكن الصعب أن يملّ صباح الأحمد بعد عمر في وساطات العرب.
إلى اللقاء.